للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إنها معارضة لقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩]، وقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} [الأنعام: ٢].

فذهب الجمهور إلى أن العمر لا يزيد، ولا ينقص؛ استدلالاً بالآيات المتقدّمة، والأحاديث الصحيحة، كحديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -، عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال: "إن أحدكم يُجمع خلقه في أربعين يومًا، ثم يكون عَلَقَة مثل ذلك، ثم يكون مُضْغَة مثل ذلك، ثم يبعث اللَّه ملكا، ويؤمر بأربع كلمات، ويقال له، اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقيّ، أو سعيد". وهو في "الصحيحين" وغيرهما، وما ورد في معناه من الأحاديث الصحيحة.

وأجابوا عن قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: ٣٩]. إن المعنى يمحو ما يشاء، من الشرائع، والفرائض بنسخه، ويبدله، ويثبت ما يشاء، فلا ينسخه، وجملة الناسخ والمنسوخ عنده في أم الكتاب.

ولا يخفى أن هذا تخصيص لعموم الآية لغير مخصّص، وأيضا: يقال لهم: إن القلم قد جرى بما هو كائن إلى يوم القيامة، كما في الأحاديث الصحيحة، ومن جملة ذلك الشرائع، والفرائض، فهي مثل العمر، إذا جاز فيها المحو والإثبات جاز في العمر المحو والإثبات.

وقيل: المراد محو ما في ديوان الحفظة مما ليس بحسنة، ولا سيئة؛ لأنه مأمورون بكتب كل ما ينطق به الإنسان. ويجاب عنه بمثل الجواب الأول.

وقيل: يغفر اللَّه ما يشاء من ذنوب عباده، ويترك ما يشاء، فلا يغفره. ويجاب عنه بمثل الجواب السابق.

وقيل: يمحو ما يشاء من القرون، كقوله: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ} [يس: ٣١]، وكقوله: {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [المؤمنون: ٣١]، فيمحو قرنا، ويثبت قرنا. ويجاب عنه بمثل ما تقدّم.

وقيل: هو الذي يعمل بطاعة اللَّه ما يعمل، ثم يعمل بمعصيته، فيموت على ضلالة، فهذا الذي يمحو اللَّه، والذي يكتبه الرجل يعمل بمعصية اللَّه، ثم يتوب، فيمحو اللَّه من ديوان السيآت، ويثبته في ديوان الحسنات.

وقيل: يمحو ما يشاء يعني الدنيا، ويثبت الآخرة. وقيل: غير ذلك.

وكل هذه الأقوال دعاوي مجرّدة، ولا شك أن آية المحو والإثبات عامّة لكلّ ما يشاؤه سبحانه، فلا يجوز تخصيصها إلا لمخصص، وإلا كان من التقوّل على اللَّه بما لم يقل، وقد توعّد اللَّه سبحانه على ذلك، وقرنه بالشرك، فقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ