للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وحاصله: أن موسى - عليه السلام - لم يعلم أنه ملك الموت، بل ظنه آدميا قصد نفسه، فدافعه عنها، فأدت المدافعة إلى فقء عينه، لا أنه قصدها بالفقء، وهذا الجواب اختاره المازريّ، والقاضي عياض، -رحمهم اللَّه تعالى- كما ذكره النووي في "شرح مسلم"، قالوا: وليس في الحديث تصريح بأنه فقء عينه.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قولهم: ليس في الحديث الخ فيه نظر، فقد صُرّح في رواية المصنّف بقوله: "ففقأ عينه". فتبصّر.

قال: فإن قيل: فقد اعترف موسى حين جاءه ثانيًا بأنه ملك الموت، فالجواب أنه أتاه في المرة الثانية بعلامة، علم بها أنه ملك الموت، فاستسلم، بخلاف المرّة الأولى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: وأما ما ذكره القرطبيّ من الاعتراض على هذا القول، بأن موسى لو لم يعرف ملك الموت لما صدق قول الملك: "يا رب أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت".

فالجواب عنه: أن الملك قال ذلك ظنّا منه أن موسى - عليه السلام - عرفه، ثم لم يستجب له، لا أنه عرفه حقيقة، ثم صكّه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الخامسة: أنه استُدِلّ بهذا الحديث على جواز الزيادة في العمر، وهذا الاستدلال واضح، وهو الصواب من القولين في المسألة.

قال شيخ الإسلام ابن تيميّة -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وأما نقص العمر وزيادته، فمن الناس من يقول: إنه لا يجوز بحال، ويَحمِل ما ورد على زيادة البركة. والصواب أن يحصل نقص وزيادة عما كُتب في صحف الملائكة، وأما علم اللَّه تعالى القديم فلا يتغيّر، وأما اللوح المحفوظ، فهل يُغير ما فيه؟ على قولين، وعلى هذا يتفق ما ورد في هذا الباب من النصوص انتهى كلامه -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وهو كلام نفيس جدًّا (٢).

وقد حقق المسألة العلامة الشوكاني -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وكتب فيه رسالة مفيدة جدّا، ورجح القول بأن العمر يزيد، وينقص حقيقةً، أحببت إيرادها هنا تتميما للفائدة ونشرًا للفائدة: قال -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-:

اعلم: أنه قد طال الكلام من أهل العلم على ما يظهر في بادئ الرأي من التعارض بين هذه الآيات الشريفة، وهي قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون: ١١]، وقوله: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: ٦١] وقوله: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: ١٤٥]. فقد قيل:


(١) - انظر "شرح مسلم للنوويّ" ج ١٥ ص ١٢٨.
(٢) - "مجموع الفتاوى" ج ٢٤ ص ٣٨١.