للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} إلى قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٣ - ١٨٥]. وأما السنة فقول النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: "بني الإسلام على خمس … " الحديث، وذكر منها صوم رمضان. متفق عليه. وعن طلحة بن عبيد اللَّه أن أعرابيًا جاء إلى النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - ثائر الرأس، فقال: يا رسول اللَّه أخبرني ماذا فرض اللَّه علي من الصيام؟ قال: "شهر رمضان"، قال: هل علي غيره؟ قال: "لا إلا أن تطوع شيئًا … " الحديث متفق عليه. وأجمع المسلمون على وجوب صيام شهر رمضان. انتهى كلام ابن قدامة باختصار "المغني" جـ ٤ ص ٣٢٣ - ٣٢٤.

(الثاني): فُرِضَ صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة، يوم الاثنين، لليلتين خلتا من شعبان (١)، وهو ثابت بالكتاب والسنة، والإجماع، فمن جحد فرضيته، فقد كفر.

(الثالث): حكمة مشروعية الصوم كونه موجبًا لسكون النفس، وكسر سَوْرتها في الفضول المتعلّقة بجميع الجوارح، من العين، واللسان، والأذن، والفرج، فبالصوم تضعف حركتها في محسوساتها، وكونه موجبًا للرحمة والعطف على المساكين، فإن الإنسان إذا ذاق ألم الجوع في وقت، تذكر حال المساكين في سائر الأوقات، فيسارع إلى الإحسان إليهم لدفع ألم الجوع عنهم، فينال بذلك حسن الجزاء من اللَّه تعالى.

قال الزرقاني -رحمه اللَّه تعالى-: شُرع الصيام لفوائد، أعظمها كسر النفس، وقهر الشيطان، فالشبع نهر في النفس يرده الشيطان، والجوع نهر في الروح ترده الملائكة.

ومنها: أن الغنيّ يعرف قدر نعمة اللَّه عليه بإقداره على ما منع منه كثيرًا من الفقراء، من فضول الطعام، والشراب، والنكاح، فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص، وحصول المشقّة له بذلك يتذكّر به من مُنِع ذلك على الإطلاق، فيوجب ذلك شكر نعمة اللَّه عليه بالغنى، ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج، ومواساته بما يمكن من ذلك انتهى (٢).

(الرابع): نُقِل عن بعض الصوفيّة أن آدم لما تاب من أكل الشجرة تأخر قبول توبته لما بقي في جسده من تلك الأكلة ثلاثين يومًا، فلما صفا جسده منها تيب عليه، ففرض على ذرّيّته


(١) - نظم الأجهوريّ -رحمه اللَّه تعالى- الاختلاف في أشهر الصوم التامّة والناقصة في حياته - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال:
وَفُرِضَ الصِّيَامُ ثَانِي الْهِجْرَةِ … فَصَامَ تِسعَةً نَبِيُّ الرَّحْمَةِ
فَأَرْبَعًا تِسْعًا وِعِشْرِينَ وَمَا … زَادَ عَلَى ذَا بِالكَمَالِ اتَّسَمَا
كَذَا لِبَعْضِهِم وَقَالَ الهَيتَمِي … مَا صَامَ كَامِلًا سِوَى شَهْرِ اعَلَمِ
وِلِلدَّمِيرِي أَنَّهُ شَهْرَانِ … وَنَاقِصٌ سِوَاهُ خَذْ بَيَانِي
ذكره الطحاويّ في حاشية "مراقي الفلاح" من كتب الحنفية ص ٤٣٠.
(٢) - "شرح الزرقاني على الموطإ" ج ٢ ص ١٥٢ - ١٥٣.