للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنْ أَنَسٍ) - رضي اللَّه عنه -، أنه (قَالَ: نُهينَا فِي الْقُرْآنِ) يعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآية (أَنْ نَسْأَلَ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عَنْ شَيْءٍ) أي غير ضروريّ؛ لما فيه من احتمال أن يكون من تلك الأشياء (فَكَانَ يُعْجبُنَا أنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ الْعَاقِلُ) أي لكونه أعرف بكيفيّة السؤال، وآدابه، والمهمِّ منه، وحسنِ الَمراجعة، فإن هذه من أسباب عظم الانتفاع بالجواب (مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ) أي لكونه لم يبلغه النهي عن السؤال، ولأن أهل البادية هم الأعراب، ويغلب فيهم الجهل، والجفاء، ولهذا جاء في الحديث: "من بدا جفا" (١).

والبادية، والبَدْوُ بمعنّى، وهو ما عدا الحاضرة، والعمران، والنسبة إليها بدويّ، والبِدَاوة: الإقامة بالبادية، وهي بكسر الباء عند جمهور أهل اللغة. وقال أبو زيد: هي بفتح الباء. قال ثعلب: لا أعرف البداوة بالفتح إلا عن أبي زيد. ذكره النووي (٢).

(فَيَسْأَلَهُ) بالنصب عطفًا على "يجيء". وزاد في رواية مسلم: "ونحن نسمع". وزاد أبو عوانة في "صحيحه": "وكانوا أجرأ على ذلك منّا". يعني أن الصحابة واقفون عند النهي، وأولئك يُعذَرون بالجهل.

وإنما تمنّوه عاقلًا؛ ليكون عارفًا بما يسأل عنه. وظهر عقل ضمام في تقديمه الاعتذار بين يدي مسألته؛ لظنه أنه لا يصل إلى مقصوده إلا بتلك المخاطبة، وسأله عمن خَلَق الأرض، ونصب الجبال إلى آخر ما سأل، ثم أقسم عليه به أن يَصْدُقَه عما يسأل عنه، وكرّر القسم في كلّ مسألة تأكيدًا، وتقريرًا للأمر، ثم صرّح بالتصديق، فكلّ ذلك دليل على حسن تصرّفه، وتمكن عقله، ولهذا قال عمر - رضي اللَّه عنه - في رواية أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: ما رأيت أحدًا أحسن مسألة، ولا أوجز من ضمام". أفاده في "الفتح" (٣) (فَجَاءَ رَجُلٌ، مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ) هو ضمام بن ثعلبة، أخو بني سعد بن بكر، كما بُيّن في الرواية التالية.

قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: قدم على رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - سنة تسع. قاله أبو عبيد. وقيل: سنة سبع. وقال محمد بن حبيب: سنة خمس، وهو أبعدها؛ لأن فرض الحجّ لم يكن نزل إذ ذاك. انتهى (٤).


(١) - حديث صحيح أخرجه أحمد من حديث البراء - رضي اللَّه عنه -. وأخرجه الطبرانيّ من حديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، بلفظ: "من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غَفَل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن". وهو أيضا صحيح.
(٢) - "شرح مسلم" ج ٢ ص ١٢٣.
(٣) - "فتح" ج ١ ص ٢٠٤ - ٢٠٥.
(٤) - "المفهم" ج ١ ص ١٦٢.