للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ورائي من قومي". وفيه نظر. وأما مساق مسلم، فظاهره أن الرجل لم ينشرح صدره للإسلام بعدُ، وأنه بقيت في قلبه منازعات، وشكوك، فجاء مجيء الباحث المستثبت، ألا تراه يقول: يا محمد، أتانا رسولك، فزعم لنا أنك تزعم أن اللَّه أرسلك، فإن الزعم قول لا يوثق به. قاله ابن السكّيت وغيره.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: في قوله: "فإن الزعم قول لا يوثق به" نظر؛ لأن هذا ليس متفقا عليه بين أهل اللغة، بل الزعم يطلق على القول المحقّق أيضًا، كما تقدّم نقله عن أبي عمر الزاهد في "شرح فصيح شيخه ثعلب وأكثر سيبويه من قوله: "زعم الخليل" في مقام الاحتجاج. واللَّه تعالى أعلم.

قال: غيرَ أنّ هذا الرجل كان كامل العقل، وقد كان نظر بعقله في المخلوقات، فدله ذلك على أن لها خالقًا خلقها، ألا ترى أنه استفهم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عن خالق المخلوقات استفهام تقرير للقاعدة التي لا يصحّ العلم بالرسول إلا بعد حصولها، وهي التي تفيد العلم بالمرسل، ثم إنه لما وافقه على ما شهد به العقل، وأن اللَّه تعالى هو المنفرد بخلق هذه المخلوقات أقسم عليه، وسأل به، هل أرسله؟.

ثم إن الرجل استمرّ على أسئلته إلى أن حصل على طَلِبَتَهِ (١) فانشرح صدره للإسلام، وزاحت عنه الشكوك والأوهام، وذلك ببركة مشاهدته أنوارَ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فلقد كان كثير من العقلاء يحصل لهم العلم بصحّة رسالته بنفس رؤيته، ومشاهدته، قبل النظر في معجزته، كما قال أبو ذرّ - رضي اللَّه عنه -: "فلما رأيته علمت أن وجهه ليس بوجه كذّاب"، حتى قال بعضهم [من البسيط]:

لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيِّنَةٌ … لَكَانَ مَنْظَرُهُ يُنْبِيكَ بِالْخَبَرِ

والحاصل من حال هذا السائل أنه حصل له العلم بصدق رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وبصحّة رسالته، لمجموع قرائن، لا تتعيّن إحداها، ولا تنحصر أعدادها.

وقد روى ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - حديث ضمام هذا بأكمل من هذا، وقال فيه ما يدلّ على أن ضمامًا إنما أسلم بعد أن أجابه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن أسئلته المتقدّمة، فلما أن فرغ قال ضمام: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدًا رسول اللَّه، وسأؤدّي هذه الفرائض، وأجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا أزيد، ولا أنقُص. فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إن يصدق ذو العقيصتين (٢) يدخل الجنّة"، ثم قدم ضمام على أهله، فعرض عليهم الإسلام، فما


(١) - الطَّلِبَةُ -بفتح الطاء، وكسر اللام-: ما طلبته. أفاده في "ق".
(٢) - العقيصتان: الضفيرتان.