قرر ضمامًا على ما اعتمد عليه في تعريف رسالته، وصدقه، ومجرّد إخباره إياه بذلك، ولم ينكر عليه ذلك، ولا قال: يجب عليك معرفة ذلك بالنظر في معجزاتي، والاستدلال بالأدلّة القطعيّة انتهى.
وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: ويُستفاد من هذا الحديث أن الشرع إنما طلب من المكلفين التصديق الجازم بالحقّ كيفما حصل، وبأيّ وجه ثبت، ولم يقصرهم في ذلك على النظر في دلالة معيّنة، ولا معجزة، ولا غيرها، بل كلّ من حصل له اليقين بصدقه بمشاهدة وجهه، أو بالنظر في معجزته، أو بتحليفه، أو بقرينة لاحت له، كان من المؤمنين، وكان من جملة عباد اللَّه المخلصين، لكن دلالات المعجزات هي الخاصّة بالأنبياء، والطرق العامّة للعقلاء انتهى (١) ..
(ومنها): العمل بخبر الواحد (ومنها): أن من صَدَق في إسلامه، والتزم أداء ما أُمر به دخل الجنّة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسأله الرابعة): اختَلَفوا، هل كان ضمام بن ثعلبة - رضي اللَّه عنه - مسلمًا قبل مجيئه، وإنما أتى مستثبتًا من النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، أم أنه أنشأ الإيمان بعد حضوره؟:
والأول اختيار الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى-، فاحتجّ به على مسألة صحّة العرض على العالم، وترجم عليه، فقال:"باب القراءة والعرض على العالم". ورجحه القاضي عياض، فقال: والظاهر أن الرجل لم يأت إلا بعد إسلامه، وإنما جاء مستثبتًا، ومشافها للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. انتهى.
فقوله - كما في الرواية الآتية -: "آمنت بما جئت به" إخبار بإيمانه قبل ذلك، وأنه إنما حضر بعد إسلامه، مستثبتًا من الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم - ما أخبره به رسوله إليهم؛ لأنه قال:"فإن رسولك زعم"، وفي حديث ابن عباس عند الطبرانيّ:"أتتنا كتبك، وأتتنا رسلك". واستبط منه الحاكم أصل طلب علوّ الإسناد؛ لأنه سمع ذلك من الرسول، وآمن، وصدّق، ولكنه أراد أن يسمع ذلك من رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - مشافهة.
والثاني: هو الذي رجحه القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-، فقال في "المفهم": وقد فهم البخاريّ من هذا الحديث أن الرجل قد كان أسلم على يدي رسول رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - حين جاءهم، وصحّ إيمانه، وحفظ شرائعه، ثم جاء يَعْرِضها على النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -؛ ألا ترى البخاريّ كيف بوّب على هذا:"باب القراءة والعرض على المحدث"؟ وكأن البخاريّ أخذ هذا المعنى من قول الرجل في آخر الحديث: "آمنت بما جئت به، وأنا رسول من