(منها): أنه من خماسيات المصنف -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وأنه مسلسل بالمدنيين من سعيد، والباقيان مصريان، وأن فيه روايةَ تابعي، عن تابعيّ، وهو من رواية الأكابر عن الأصاغر، فإن سعيدا المقبريّ أكبر من شريك بن أبي نمر من الطبقة الثالثة، وهو من الخامسة، ولا ينافي هذا ما في "الفتح"، ونصّه: فيه رواية الأقران، قال: لأن سعيدًا وشريكا تابعيان، من درجة واحدة، وهما مدنيان انتهى. لأنه جعلهما من درجة واحدة؛ نظرا لكونهما تابعيين، وما هنا بالنظر لتفاوت مراتب التابعين فيما بينهم، فافهم. وفيه أنس - رضي اللَّه عنه - أحد المكثرين السبعة، وآخر من مات من الصحابة بالبصرة. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ شَرِيكِ) بن عبد اللَّه (ابْنِ أَبِي نَمِرٍ) بفتح النون، وكسر الميم، لا يعرف اسمه، ذكره ابن سعد في الصحابة، وأخرج له ابن السكن حديثًا، وأغفله ابن الأثير؛ تبعًا لأصوله. قاله في "الفتح"(١).
(أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ) - رضي اللَّه عنه - (يَقُولُ: بَينَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي الْمَسْجدِ) أي مسجد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - (جَاءَ رَجُلٌ، عَلَى جَمَلٍ، فَأَنَاخَهُ فِي المَسْجِدِ) استنبط منه ابن بطَال وغيره طهارة أبوال الإبل، وأرواثها، إذ لا يؤمن ذلك منه مدّة كونه في المسجد، ولم ينكره النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. قال في "الفتح": ودلالته غير واضحة، وإنما فيه مجرّد احتمال، ويدفعه رواية أبي نُعيم:"أقبل على بعير له حتى أتى المسجد، فأناخه، ثم عقله، فدخل المسجد"، فهذا السياق يدلّ على أنه ما دخل به المسجد، وأصرح منه رواية ابن عباس، عند أحمد، والحاكم، ولفظها:"فأناخ بعيره على باب المسجد، فعقله، ثم دخل"، فعلى هذا في رواية أنس مجاز الحذف، والتقدير: فأناخه في ساحة المسجد، أو نحو ذلك انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول بطهارة أبوال الإبل، وأرواثها هو الصواب، فقد دلّ على ذلك خبر العرنيين المشهور، وقد تقدّم تحقيق ذلك في "أبواب الطهارة" - ١٩١/ ٣٠٥ - "باب بول ما يؤكل لحمه"، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.
(ثُمَّ عَقَلَهُ) بتخفيف القاف: أي شدّ حبلًا على ساق الجمل بعد أن ثَنَى ركبته (فَقَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، مُتَّكِئٌ بَينَ ظَهْرَانَيْهِمْ) فيه جواز اتكاء الإمام بين أتباعه، وفيه ما كان عليه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - من التواضع، وترك التكبّر، لقوله:"بين ظهرانيهم"، وهي بفتح النون: أي بينهم، وزيد لفظ الظهر ليدلّ على أن ظهرًا منهم قُدّامه، وظهرًا منهم وراءه،