للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فهو محفوف بهم من جانبيه، والألف والنون فيه للتأكيد. قاله صاحب "الفائق".

(قُلْنَا لَهُ: هَذَا الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ) أي المشرب بحمرة، كما في الرواية الآتية من طريق الحارث بن عُمير بلفظ "الأمغر"، أي بالغين المعجمة، قال حمزة بن الحارث: هو الأبيض المشرب بحمرة، ويؤيده ما ثبت في صفته - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه لم يكن أبيض، ولا آدم، أي لم يكن أبيض صِرْفًا. (الْمُتَّكِئُ، فَقَالَ: لَهُ الرَّجُلُ: يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) نسبه لجدّه؛ لكونه مشهورًا بين العرب، وأما أبوه - صلى اللَّه عليه وسلم - فقد مات، وهو شابٌ، فلم يشتهر بين الناس اشتهار جدّه.

وكان - صلى اللَّه عليه وسلم - ينتسب إلى جدّه، كقوله:

أنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ … أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ

(فَقَالَ: لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "قَدْ أَجَبْتُكَ") أي سمعتك، والمراد إنشاء الإجابة، أو نزّل تقريره للصحابة في الإعلام عنه منزلة النطق. وقد قيل: إنما لم يقل له: نعم؛ لأنه لم يخاطبه بما يليق بمنزلته من التعظيم، لا سيّما مع قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} الآية [النور: ٦٣]. والعذرُ عنه، إن قلنا: إنه قدم مسلما أنه لم يبلغه النهي، وكانت فيه بقية من جفاء الأعراب، وقد ظهرت بعد ذلك في قوله: "فمشدّد عليك في المسألة"، وفي قوله: "وزعم رسولك أنك تزعم".

(فَقَالَ الرَّجُلُ) وفي نسخة "فقاله له الرجل" (إِنِّي سَائِلُكَ، يَا مُحَمَّدُ، فَمُشَدِّدٌ) وفي نسخة "فمشتدٌ (عَلَيكَ فِي الْمَسأَلَةِ، فَلَا تجَدَنَّ فِي نَفْسِكَ) بنون التوكيد المشدّدة، وفي رواية البخاريّ: "فلا تجدْ"، أي لا تغضب. ومادّة "وجد" متّحدة الماضي والمضارع مختلفة المصادر، بحسب اختلاف المعاني، يقال في الغضب مَوْجِدة، وفي المطلوب: وُجُودًا، وفي الضالّة: وُجْدانًا، وفي الحبّ وَجْدًا -بالفتح-، وفي المال: وُجْدًا - بالضمّ، وفي الغنى: جِدَةً -بكسر الجيم، وتخفيف الدال المفتوحة- على الأشهر في جميع ذلك، وقالوا أيضًا في المكتوب: وِجَادةً، وهي مولّدة.

(قَالَ: "سَلْ مَا بَدَا لَكَ"، فَقَالَ: الرَّجُلُ: نَشَدْتُكَ بِرَبِّكَ) أي سألتك به، قال الفيّوميّ: نَشَدتك اللَّهَ، وباللَّه، أنشُدُك -من باب قتل-: ذكّرتك به، واستعطفتك، أو سألتك به مُقسِمًا عليك. انتهى.

وقال ابن الأثير: يقال: نشدتك اللَّهَ، وأنشدُك اللَّه، وباللَّه، وناشدتك اللَّهَ، وباللَّه: أي سألتك، وأقسمت عليك. ونشدته نِشْدة، ونشدانًا، ومناشدةً، وتعديته إلى مفعولين، إما لأنه بمنزلة: دعوت، حيث قالوا: نشدتك اللَّهَ، وباللَّه، كما قالوا: دعوت زيدًا، وبزيد، أو لأنهم ضمّنوه معنى: ذكّرتُ، فأما أنشدتك باللَّه، فخطأ انتهى (١).


(١) - "النهاية" ج ٥ ص ٥٣.