وفي الرواية التالية:"أنشدُك" بصيغة المضارع. وهو بفتح الهمزة، وضم المعجمة. قال البغويّ في "شرح السنّة": وهو رفع الصوت، والمعنى سألتك رافعا نشيدتي. انتهى. وقال الجوهريّ: نشدتك باللَّه: أي سألتك باللَّه، كأنك ذكّرته، فنَشَدَ: أي تذكّر انتهى (١).
(وَرَبِّ مَنْ قَبلَكَ، اللَّهُ) بالمدّ في المواضع كلها، والهمزة للاستفهام، كقوله تعالى:{آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} الآية (أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ نَعَمْ") الجواب حصل بـ "نعم"، وإنما ذكر "اللَّهَمّ" تبرّكًا، وكأنه استشهد باللَّه في ذلك تأكيدًا لصدقه (قَالَ: فَأَنشُدُكَ اللَّهَ، اللَّهُ أَمَرَكَ، أَنْ تُصَلِّيَ) بتاء الخطاب فيه، وفيما بعده. ووقع عند البخاريّ في رواية الأصيليّ بالنون فيها. قال القاضي عياض: هو أوجه، ويؤيّده ما تقدّم في رواية ثابت، عن أنس، بلفظ:"أنّ علينا خمس صلوات في كلّ يوم وليلة". وتوجيه الأول أن كلّ ما وجب عليه وجب على أمته حتى يقوم دليل الاختصاص. أفاده في "الفتح"(الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ) وعند البخاريّ من رواية الكشميهني، والسرخسيّ:"الصلاة الخمس" بالإفراد على إرادة الجنس (فِي الْيَوْم وَاللَّيلَةِ؟، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ نَعَمْ"، قَالَ: فَأَنشُدُكَ اللَّهَ، آللَّهُ أَمَرَكَ، أَنْ تَصُوَمَ هَذَا الشهْرَ، مِنَ السَّنَةِ؟، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ نَعَمْ"، قَالَ: فَأَنشُدُكَ اللَّهَ، آللَّهُ أَمَرَكَ، أَنْ تَأخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ) قال ابن التين: فيه دليل على أن المرأ لا يفرّق صدقته بنفسه. قال الحافظ: وفيه نظر (مِنْ أَغْنِيَائِنَا، فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟) هذا خرج مخرج الأغلب، لأنهم معظم أهل الصدقة، وإلا فمحلّ الصدقة هم الأصناف الثمانية المذكورون في آية الصدقة (فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ نَعَمْ"، فَقَالَ: الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ) يحتمل أن يكون إخبارًا، وهو اختيار البخاريّ، ورجحه القاضي عياض، وأنه حضر بعد إسلامه، مستثبتًا من الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم - ما أخبر به رسوله إليهم. ويحتمل أن يكون قوله:"آمنت" إنشاء، ورجحه القرطبيّ؛ لقوله:"زعم"؛ قال: فإن الزعم القولُ الذي لا يوثق به، قاله ابن السكّيت. قال الحافظ: وفيه نظر؛ لأن الزعم يطلق على المحقّق أيضًا، كما نقله أبو عمر الزاهد في شرح فصيح شيخه ثعلب، وأكثر سيبويه من قوله:"زعم الخليل" في مقام الاحتجاج. قال: وأما تبويب أبي داود عليه: "باب المشرك يدخل المسجد" فليس مصيرًا منه إلى أن ضمامًا قدم مشركًا، بل وجهه أنهم تركوا شخصًا قادمًا يدخل المسجد من غير استفصال.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: وفيه نظر، بل الظاهر من صنيع أبي داود الميل إلى أن ضمامًا قدم، وهو مشرك. فتأمّل.