للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رواية أخرى: "أبواب الرحمة"، وفي أخرى: "أبواب السماء". وهذا يدلّ على أن أبواب الجنة كانت مغلقة، ولا ينافيه قوله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} الآية [ص: ٥٠]؛ لأن ذلك لا يقتضي دوام كونها مفتّحة (وَغُلِّقَتْ) بالبناء للمجهول، وبتشديد اللام (أَبْوَابُ النَّارِ) أي تبعيدًا للعقاب عن العباد، وهذا يقتضي أيضا أن أبواب النار كانت مفتوحة، ولا ينافيه قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} الآية [الزمر: ٧١]؛ لجواز أن يكون هناك غلق قبيل ذلك. وغلق أبواب النار لا ينافي موت الكفرة في رمضان، وتعذيبهم بالنار فيه، إذ يكفي في تعذيبهم فتح باب صغير من القبر إلى النار غير الأبواب المعهودة الكبار. أفاده السنديّ (وَصُفِّدَتِ الشِّيَاطِينُ") بالبناء للمفعول أيضًا، وبتشديد الفاء: أي شددت، وأوثقت بالأغلال. وفي الرواية الآتية: "وسُلسلت"، وهو بمعناه، ولا ينافيه وقوع المعاصي؛ إذ يكفي في وجود المعاصي شرارة النفس، وخباثتها، ولا يلزم أن تكون كل معصية بواسطة شيطان، وإلا لكان لكلّ شيطان شيطان، ويتسلسل، وأيضًا معلوم أنه ما سبق إبليس شيطان آخر، فمعصيته ما كانت إلا من قبل نفسه. واللَّه تعالى أعلم (١).

وقال في "الفتح": قال الحليميّ: يحتمل أن يكون المراد من الشياطين مسترقو السمع منهم، وأن تسلسلهم يقع في ليالي رمضان دون أيامه؛ لأنهم كانوا منعوا في زمن نزول القرآن من استراق السمع، فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ. ويحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره؛ لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات، وبقراءة القرآن والذكر. وقال غيره: المراد بالشياطين بعضهم، وهم المردة منهم، وترجم لذلك ابن خزيمة في "صحيحه"، وأورد ما أخرجه هو والترمذيّ، والنسائيّ، وابن ماجه، والحاكم من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - بلفظ: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صُفّدت الشياطين، ومردة الجنّ". وأخرجه النسائيّ من طريق أبي قلابة، عن أبي هريرة، بلفظ: "وتُغلّ فيه مردة الشياطين زاد أبو صالح في روايته: "وغُلِّقَت أبواب النار، فلم يُفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنّة، فلم يُغلق منها باب، ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشرّ أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كلّ ليلة"، لفظ ابن خُزيمة، وقوله: "صُفّدت" بالمهملة المضمومة، بعدها فاء ثقيلة مكسورة: أي شدّت بالأصفاد، وهي الأغلال، وهي بمعنى "سُلسلت"، ونحوه للبيهقيّ من حديث ابن مسعود، وقال فيه: "فتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها بابٌ الشهرَ كلّه".


(١) - انظر "شرح السنديّ" ج ٤ ص ١٢٦ - ١٢٧.