للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال عياض: يحتمل أنه على ظاهره، وحقيقته، وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر، وتعظيم حرمته، ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين. ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو، وأن الشياطين يقلّ إغواؤهم، فيصيرون كالمصفّدين.

قال: ويؤيّد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس، عن ابن شهاب، عند مسلم: "فتحت أبواب الرحمة"، قال: ويحتمل أن يكون فتح أبواب الرحمة عبارة عما يفتحه اللَّه لعباده من الطاعات، وذلك أسباب لدخول الجنّة، وغلقُ أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآئلة بأصحابها إلى النار، وتصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء، وتزيين الشهوات.

قال الزين ابن المنيّر: والأول أوجه، ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره. وأما الرواية التي فيها "أبواب الرحمة"، و"أبواب السماء" فمن تصرف الرواة، والأصل أبواب الجنّة بدليل ما يقابله، وهو غلق أبواب النار. واستدلّ به على أن الجنّة في السماء؛ لإقامة هذا مقام هذه الرواية، وفيه نظر.

وجزم التوربشتيّ شارح "المصابيح" بالاحتمال الأخير، وعبارته: فتح أبواب السماء كناية عن تنزّل الرحمة، وإزالة الغلق عن مصاعد أعمال العباد تارة ببذل التوفيق، وأخرى بحسن القبول، وغلق أبواب جهنم كناية عن تنزّه أنفس الصوّام عن رجس الفواحش، والتخلّص من البواعث عن المعاصي بقمع الشهوات.

وقال الطيبيّ: فائدة فتح أبواب السماء توقيف الملائكة على استحماد فعل الصائمين، وأنه من اللَّه بمنزلة عظيمة، وفيه إذا علم المكلّف ذلك بإخبار الصادق ما يزيد في نشاطه، ويتلقّاه بأريحيّة.

وقال القرطبيّ بعد أن رجّح حمله على ظاهره:

[فإن قيل]: كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرًا، فلو صُفّدت الشياطين لم يقع ذلك.

[فالجواب]: أنها إنما تقلّ عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه، وروعيت آدابه، أو المصفّد بعض الشياطين، وهم المردة، لا كلّهم، كما تقدّم في بعض الروايات، أو المقصود تقليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس، فإن وقوع ذلك فيه أقلّ من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شرّ، ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابًا غير الشياطين؛ كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسيّة.

وقال غيره: في تصفيد الشياطين في رمضان إشارة إلى رفع عذر المكلّف، كأنه يقال له: قد كفّت الشياطين عنك، فلا تعتلّ بهم في ترك الطاعة، ولا فعل المعصية انتهى ما