وأما حديث سلمة بن قيس: فأخرجه معه الترمذي، وابن ماجه، فأما الترمذي، فأخرجه في الطهارة، عن قتيبة، عن حماد بن زيد، وجرير بن عبد الحميد، كلاهما عن منصور، عن هلال به، وقال: حسن صحيح، وأما ابن ماجه فأخرجه في الطهارة، أيضا عن أحمد بن عبدة، عن حماد به، وعن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي الأحوص به.
المسألة الرابعة: في أحكام تستنبط من حديثي الباب، ومذاهب العلماء في ذلك:
يستنبط من حديثي الباب، وجوبُ المضمضة، والاستنشاق، والاستنثار، لأن الأمر للوجوب، ولا صارف عنه مع مواظبته - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وهو مذهب أحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور، وابن المنذر، وهو الراجح كما تقدم.
وذهب الجمهور إلى أن الأمر للندب، واستدلوا بما حسنه الترمذي، وصححه الحاكم من قوله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي "توضأ كما أمرك الله" فأحاله على الآية، وليس فيها ذكر الاستنشاق.
وأجيب بأنه يحتمل أن يراد بالأمر ما هو أعم من آية الوضوء، فقد أمر الله سبحانه باتباع نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وهو المبين عن الله أمْرَهُ، ولم يَحك أحد ممن وصف وضوءه عليه الصلاة والسلام على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق، ولا المضمضة، وبأنها داخلة في الأمر بغسل الوجه، كما تقدم بيانه. وقد ورد الأمر بالمضمضة في سنن أبي داود بإسناد صحيح، كما قاله الحافظ، وهو يردّ على ابن حزم حيث يقول: لم يصح بها أمر، وإنما هي فعل.
ويستنبط أيضا وجوب الإيتار في الاستجمار، وقد تقدم تحقيقه في الباب ٣٧، ولم يذكر في حديث الباب عدد الاستنثار، ويأتي في الباب التالي أنه ثلاث، وأخرج الحميدي في مسنده من رواية سفيان، عن أبي الزناد ولفظه "وإذا استنثر، فليستنثر وترًا".