للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لما يأتي (وَلَا) يوقولن أيضا (قُمْتُهُ) أي قمت لياليه وقوله (كُلَّهُ") تأكيد للضمير المنصوب، وحذف نظيره لـ "رمضان"، أو هو تأكيد له، وحذف توكيد الضمير (وَلَا أَدْرِي) هذا من كلام الحسن -رحمه اللَّه تعالى-، كما بينه أحمد -رحمه اللَّه تعالى- في "مسنده"جـ ٥ ص ٤٠ - من طريق قتادة، عن الحسن، وذكر في محلّ آخر جـ ٥ ص ٥٢ - أنه من كلام قتادة، فيحتمل أن كلاً منهما قاله (كَرِهَ التَّزْكِيَةَ) بحذف همزة الاستفهام، وفي رواية لأحمد: "قال قتادة: فاللَّه أعلم أخشي التزكية على أمته … ".

يعني أنه لا يعلم سبب نهيه المذكور، هل هو كراهة تزكية النفس بكونها صائمة، قائمة؟ وقد نهى اللَّه سبحانه وتعالى عن تزكيتها، بقوله: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: ٣٢] (أَوْ قَالَ) ذلك لئلا يكون كاذبًا، حيث إنه (لَا بُدَّ مِنْ غَفْلَةٍ) في حال صومه، فيقع منه ما ينافي صومه بوجه مّا، فإن آداب الصوم شديدة على النفس، فقد أخرج البخاريّ في "صحيحه" من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، أنه قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من لم يدع قول الزور، والعمل به، فليس للَّه حاجة في أن يدع طعامه، وشرابه"، فلعله يقع منه محذورٌ مّا في وقتٍ مّا من الشهر، فلا ينبغي له أن يدّعي أنه صام الشهر كله (وَرَقْدَةٍ) أي نومةٍ في وقتٍ من أوقات ليالي الشهر، فلا يسعه أن يدّعي أنه قام شهر رمضان.

والحاصل أن سبب نهي النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -عن أن يقول العبد صمت رمضان كلّه، وقمت رمضان كله يحتمل أحد هذين الأمرين:

(الأول): كراهة تزكية النفس بكونها صامت كل رمضان، وقامت لياليه.

(الثاني): خشية الكذب، لأنه لا يخلو العبد عن غفلة مّا في وقت من أوقات الصوم، فيقع منه ما ينافي صومه، من اغتياب، أو نميمة، أو كذب، أو نحو ذلك، وكذلك لا يخلو من رقدة خلال ليالي رمضان، فيكون كاذبًا بدعواه صوم كل رمضان، وقيام كلّ لياليه.

والظاهر أن السبب الأول هو الأقرب؛ لأنّ دعوى صيام كل رمضان، وقيامه صحيحة إذا حصل أكثره، فلا ينافيه أن يحصل منه قليل من الغفلة، والنوم، فإن للأكثر حكمَ الكلّ، فالاحتمال الأول أقرب إلى أن يكون سببا للنهي المذكور.

ويحتمل أن يكون النهي؛ لكون قبوله مغيّبًا، إذ لا يعلمه إلا اللَّه تعالى، فربما يظنّ العبد أنه صام رمضان، ولم يُقبل صومه، فلا ينبغي له الجزم بصومه؛ لعدم الجزم بقبوله. واللَّه تعالى أعلم.

وقوله (اللفْظُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ) يعني أن لفظ الحديث المذكور لشيخه عبيد اللَّه بن سعيد، وأما إسحاق بن إبراهيم، فرواه بمعناه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع