للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لزمهم. وقيل: إن اتفق الإقليم، وإلا فلا. وقال بعض أصحابنا: تعمّ الرؤية في موضع جميعَ أهل الأرض، فعلى هذا نقول: إنما لم يعمل ابن عباس بخبر كريب لأنه شهادة، فلا تثبت بواحد؛ لكن ظاهر حديثه أنه لم يَرُدّه لهذا، وإنما رَدّه لأن الرؤية لا يثبت حكمها في حقّ البعيد انتهى (١).

وقال الحافظ في "الفتح": وقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب:

(أحدها): أن لأهل كلّ بل رؤيتهم، وفي "صحيح مسلم"، من حديث حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - ما يشهد له، وحكاه ابن المنذر عن عكرمة، والقاسم، وسالم، وإسحاق، وحكاه الترمذيّ عن أهل العلم، ولم يحك سواه. وحكاه الماورديّ وجهًا للشافعيّة.

(الثاني): مقابله: وهو أنه إذا رؤي ببلدة لزم أهل البلاد كلها، وهو المشهور عند المالكية، لكن حكى ابن عبد البرّ الإجماع على خلافه، وقال: أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلاد، كخراسان والأندلس. قال القرطبيّ: قد قال شيوخنا إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع، ثم نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم. وقال ابن الماجشون: لا يلزمهم بالشهادة إلا لأهل البلد الذي يثبت فيه الشهادة إلا أن يثبت عند الإمام الأعظم، فيلزم الناس كلهم؛ لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد، إذ حكمه في الجميع.

وقال بعض الشافعية: إن تقاربت البلاد كان الحكم واحدًا، وإن تباعدت فوجهان، لا يجب عند الأكثر، واختار أبو الطيّب، وطائفة الوجوب، وحكاه البغويّ عن الشافعيّ.

وفي ضبط البعد أوجه: (أحدها): اختلاف المطالع قطع به العراقيون، والصيدلانيّ، وصححه النوويّ في "الروضة"، و"شرح المهذّب". (ثانيها): مسافة القصر قطع به الإمام، والبغويّ، وصححه الرافعيّ في "الصغير"، والنوويّ في "شرح مسلم". (ثالثها): اختلاف الأقاليم. (رابعها): حكاه السرخسيّ، فقال: يلزم كلّ بلد لا يتصوّر خفاؤه عنهم بلا عارض، دون غيرهم. (خامسها): قول ابن الماجشون المتقدِّم. ذكره في "الفتح" (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن الأرجح هو القول باعتبار اختلاف المطالع. وحاصله أن لكلّ أهل بلد تختلف مطالعهم لهم رؤيتهم الخاصّة بهم؛ لأن حديث ابن


(١) - شرح مسلم" ج ٧ ص ١٩٧.
(٢) - "فتح" ج ٤ ص ٦١٨.