صحيحة، ولا مانع من الرؤية، ويراه واحد، أو اثنان دونهم.
واحتجّ من شرط اثنين بحديث الحارث بن حاطب، وهو صحيح.
واحتجّ أصحابنا بحديث ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -، قال:"تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -أني رأيته، فصام، وأمر الناس بصيامه"، وهو صحيح.
قال: وأما حديث طاوس، عن ابن عمر، وابن عباس، - رضي اللَّه عنهم - قالا: إن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أجاز شهادة رجل واحد على هلال رمضان، وكان لا يُجيز على شهادة الإفطار إلا شهادة رجلين"، فرواه البيهقيّ، وضعفه. قال: وهذا مما لا ينبغي أن يُحتجّ به. قال: وفي الحديثين السابقين كفاية. ثم روى البيهقيّ بإسناده ما رواه الشافعيّ في "المسند" وغيره بإسناده الصحيح إلى فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي اللَّه عنه -: "أن رجلا شهد عند عليّ - رضي اللَّه عنه - على رؤية هلال رمضان، فصام، وأحسبه قال: وأمر الناس بالصيام، وقال: لأنّ أصوم يوما من شعبان أحبّ إلي من أن أفطر يومًا من رمضان".
و (الجواب) عفا احتجّ به أبو حنيفة من وجهين: (أحدهما): أنه مخالف للأحاديث الصحيحة، فلا يعرّج عليه. (والثاني): أنه يجوز أن يراه بعضهم دون جمهورهم لحسن نظره، أو غير ذلك، وليس هذا ممتنعًا، ولهذا لو شهد برؤيته اثنان، أو واحد، وحكم به حاكم لم يُنقَض بالإجماع، ووجب الصوم بالإجماع، ولو كان مستحيلاً لم ينفذ حكمه، ووجب نقضه.
(والجواب): عفا احتجّ به الآخرون أن المراد بقوله: "ننسُك" هلال شوال، جمعًا بين الأحاديث، أو محمول على الاستحباب والاحتياط، ولا بدّ من أحد هذين التأويلين للجمع بين الأحاديث. انتهى كلام النووي -رحمه اللَّه تعالى- (١).
وقال الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى- بعد ذكر اختلاف الأقوال: ما حاصله: واستدلّوا - يعني القائلين باعتبار شهادة الاثنين- بحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وبحديث أمير مكة، فإن ظاهرهما اعتبار شاهدين، وتأولوا الحديثين المتقدمين -يعني حديث ابن عباس، وابن عمر - رضي اللَّه عنهما -السابقين- باحتمال أن يكون قد شهد عند النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - غيرهما.
وأجاب الأولون -يعني القائلين بالاكتفاء بشهادة رجل واحد- بأن التصريح بالاثنين غاية ما فيه المنع من قبول الواحد بالمفهوم، وحديثا عبد الرحمن بن زيد، وأمير مكة يدلان على قبوله بالمنطوق، ودلالة المنطوق أرجح، وأما التأويل بالاحتمال المذكور، فتعسّف وتجويز، لو صحّ اعتبار مثله لكان مفضيًا إلى طرح أكثر الشريعة.