للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى- بعد أن بين اختلاف الروايات في حديث ابن عمر الآتي، ففي رواية "فاقدروا له"، وفي رواية "فاقدروا ثلاثين"، وفي رواية "فأكملوا العدّة ثلاثين"، وفي رواية "فعدّوا ثلاثين":

ما حاصله: والروايات يفسّر بعضها بعضًا، والحديث إذا جمُعت طرقه تبيّن المراد منه، وقد دلّ على ذلك أيضًا ما رواه البخاريّ من حديث شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم، فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين". رواه مسلم من حديث سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - بلفظ: "فصوموا ثلاثين يومًا" وليس ذلك اضطرابًا في الخبر لأنا مأمورون بذلك في الصوم والفطر، وقد ذكر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - صورة الغمّ علينا بعد قوله: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه"، فعاد إلى الصورتين معًا، أي فإن غمّ عليكم في صومكم، أو فطركم، فذكر في إحدى الروايتين إحدى الصورتين، وفي الأخرى الصورة الأخرى، وأتى في بعض روايات حديث أبي هريرة بعبارة متناولة لهما، ففي رواية لمسلم "فعدّوا ثلاثين"، وفي رواية له:"فأكملوا العدد".

ومن العجيب اعتراض بعض الحنابلة على رواية البخاريّ بأن الإسماعيليّ قد أخرجها في "مستخرجه" من رواية غندر، عن شعبة بلفظ: "فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين"، ثم عدّ جماعة رووه عن شعبة كذلك، ثم قال هذا الحنبليّ: وهذا يجوز أن يكون من آدم بن أبي إياس رواه على التفسير من عنده للخبر انتهى.

وغايته أن رواية البخاريّ خاصّة، والرواية التي حكاها عن غيره عامّة، تتناول شعبان ورمضان، فلا معنى لحملها على رمضان، لا سيما، وهم يؤولون قوله: "فاقدروا له" كما سيأتي بيانه، ويحملونه على تقدير الهلال تحت السحاب، وذلك يدلّ على أن المراد شعبان، وهذا يدلّ على مخالفة كلام هذا الحنبليّ لكلام أئمته، ولا جائز أن يُحمل الشرط في قوله: "فإن غمّ عليكم" على صورة، والجزاء، وهو قوله: "فعدوا ثلاثين" على صورة غيرها.

ولقد أنصف الإمام شمس الدين محمد بن عبد الهادي، وهو من أعيان متأخري الحنابلة، فقال في "تنقيح التحقيق": الذي دلت عليه أحاديث هذه المسألة، وهو مقتضى القواعد أن أيّ شهر غُمّ أُكمِلَ ثلاثين، سواء في ذلك شعبان ورمضان وغيرهما، وعلى هذا فقوله: "فإن غمّ عليكم، فأكملوا العدّة" يرجع إلى الجملتين، وهما قوله: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم، فأكملوا العدّة"، أي غُمّ عليكم في صومكم وفطركم، هذا هو الظاهر من اللفظ، وباقي الأحاديث يدلّ عليه.