قال: وما ذكره الإسماعيليّ غير قادح في صحّة الحديث؛ لأنّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إما أن يكون قال اللفظين، وهذا مقتضى ظاهر الرواية، وإما أن يكون قال أحدهما، وذكر الراوي اللفظ الآخر بالمعنى، فإن الأمرين في قوله:"فأكملوا العدّة" للشهرين انتهى.
وفي "سنن أبي داود" عن عمر بن عبد العزيز: "وإن أحسن ما يقدّر له إذا رأينا هلال شعبان لكذا وكذا، فالصوم إن شاء اللَّه لكذا وكذا، إلا أن يروا الهلال قبل ذلك". وفي رواية للبيهقيّ في "سننه" في الحديث المرفوع من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: "فإن غُمّ عليكم، فإنها ليست تُغمَى عليكم العدّة".
وقد روى مالك في "الموطإ" عقب حديث ابن عمر حديث عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - ذكر رمضان، فقال:"لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غمّ عليكم، فأكملوا العدّة ثلاثين ". قال ابن عبد البرّ: جعله بعده لأنه عنده مفسّر له، ومبيّن لمعنى قوله:"فاقدروا له".
قال ولّي الدين: وكذا رواه الترمذيّ بلفظ "فأكملوا ثلاثين يومًا". وهو عند أبي داود بلفظ:"فإن حال دونه غمامة، فأتموا العدّة ثلاثين، ثم أفطروا". وعند النسائيّ بلفظ:"فإن حال بينكم وبينه سحابة، أو ظلمة، فأكملوا العدّة، عدّة شعبان". وهذا على ما قدّمته في حديث ابن عمر ذَكَرَ في رواية أبي داود صورةً، وفي رواية النسائيّ أخرى، وأتى في رواية مالك، والترمذيّ بما يَشمَل الصورتين، وليس ذلك اضطرابًا. وفي "صحيح مسلم" عن أبي الْبَخْتَريّ، قال: أهللنا رمضان، ونحن بذات العرق، فأرسلنا رجلا إلى ابن عباس، فسأله؟ فقال ابن عباس: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إن اللَّه قد أمده لرؤيته، فإن غمي عليكم، فأكملوا العدّة"، وفي رواية له: فلقينا ابن عباس، فقلنا، وذكره، وهذا شاهد لرواية مالك وغيره. وروى أبو داود والنسائيّ عن حذيفة - رضي اللَّه عنه - مرفوعًا:"لا تقدّموا الشهر حتى تروا الهلال، أو تكملوا العدّة، ثم صوموا حتى تروا الهلال، أو تكملوا العدّة". وروى أبو داود عن عائشة - رضي اللَّه عنها -، كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يتحفّظ من شعبان ما لا يتحفّظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غمّ عليه عَدَّ ثلاثين يومًا، ثم صام".
وقد رُويَ هذا المعنى، وهو إكمال العدّة ثلاثين يومًا عند الغمّ علينا من حديث جابر، وأبي بكرة، وعمر بن الخطاب، ورافع بن خَدِيج، وعليّ بن أبي طالب، وطلق ابن عليّ، والبراء بن عازب - رضي اللَّه عنهم -. وقد جمع ذلك الحافظ العراقيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "شرح الترمذيّ". قال ابن عبد البرّ: ولم يرو أحد فيما علمت "فاقدروا له" إلا ابن عمر وحده. واللَّه تعالى أعلم.