للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومستند ابن الجوزيّ في نقل ذلك عن أنس ما رواه عن يحيى بن إسحاق أنه قال: رأيت الهلال إما عند الظهر، وإما قريبًا منه، فأفطر ناس من الناس، فأتينا أنس بن مالك، فأخبرناه برؤية الهلال، وبإفطار من أفطر، فقال: هذا اليوم يكمل لي أحد وثلاثون (١) يومًا، وذلك أن الحكم بن أيوب أرسل إليّ قبل صيام الناس أني صائم غدًا، فكرهت الخلاف عليه، فصمت، وأنا متمّ صوم يومي هذا إلى الليل.

قال العراقيّ: هذا لم يفعله للغيم، وإنما فعله كراهية للاختلاف على الأمير، وهو ابن عمّ الحجاج بن يوسف الثقفيّ، فهو موافق لرواية عن أحمد: إن الخيرة إلى الأمير في صيام ليلة الغيم. فلم يصمه أنس عن رمضان، وقد أفطر الناس ذلك اليوم، وأراد أنس ترك الخلاف على أميره.

قال العراقي: والمعروف عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - خلاف ما نقله عنه، كما في "مصنف ابن أبي شيبة" عنه أنه قال: نهي أن يتعجّل قبل رمضان بيوم أو يومين. لكن روى البيهقيّ عنه من رواية أبي مريم عنه: "لأن أصوم اليوم الذي يشكّ فيه من شعبان أحبّ إليّ من أفطر يوما من رمضان". ثم قال البيهقيّ: كذا روي عن أبي هريرة بهذا الإسناد، ورواية أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في النهي عن التقدّم إلا أن يوافق صوما كان يصومه أصحّ من ذلك انتهى.

قال: وأما أثر معاوية، فإنه ضعيف لا يصح، وقد رواه ابن الجوزيّ في "العلل المتناهية" من رواية مكحول عنه، وضعّفه. قال: وأما أثر عمرو بن العاص، فلم أر له إسنادًا. قال: وأما الحكم بن أيوب، فهو الثقفيّ، وهو من التابعين، كما ذكره ابن حبّان في ثقات التابعين. قال: فلم يقل به أحد من العشرة الذين ذكرهم ابن الجوزيّ إلا ابن عمر، وعائشة، وأسماء - رضي اللَّه عنهم -، واختلف عن أبي هريرة كما تقدّم.

قال البيهقيّ -رحمه اللَّه تعالى-: ومتابعة السنّة الثابتة، وما عليه أكثر الصحابة، وعوامّ أهل العلم أولى بنا انتهى.

وقال ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى-: لم يُتابع ابن عمر على تأويله ذلك فيما علمت إلا طاوس، وأحمد بن حنبل. وروي عن أسماء بنت أبي بكر مثله، وعن عائشة نحوه. انتهى.

(المذهب الثالث): مذهب فرقة ثالثة، قالوا: إن معنى الحديث: قَدِّرُوه بحساب المنازل، حكاه النوويّ في "شرح مسلم" عن ابن سُريج، وجماعة، منهم مطرّف بن


(١) - هكذا نسخ "الطرح" بالرفع، ولعل الأولى بالنصب، فليحرّر.