للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حلف، أو أقسم، وليس المراد به الإيلاء الذي في عرف الفقهاء اتفاقًا (مِنْ شِدَّةِ مَوجِدَتِهِ) -بفتح الميم، وسكون الواو، وكسر الجيم: أي غضبه عَلَيْهِنَّ (حِينَ حَدَّثهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- حَدِيثَهُنَّ) أي أنزل عليه الوحي بأن حفصة أفشت سره لعائشة - رضي اللَّه عنهم - (فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةٌ، دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ) فيه أن من غاب عن أزواجه، ثم حضر يبدأ بمن شاء منهنّ، ولا يلزمه أن يبدأ من حيث بلغ، ولا أن يُقرع، كذا قيل. ويحتمل أن تكون البداءة بعائشة لكونه اتفق أنه كان يومها. قاله في "الفتح" (فَبَدَأَ بَها، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ) وفي رواية سماك بن الوليد أن عمر ذكّره بذلك، قال الحافظ: ولا منافاة بينهما؛ لأنّ في سياق حديث عمر أنه ذكّره بذلك عند نزوله من الغرفة، وعائشة ذكّرته بذلك حين دخل عليها، فكأنهما تواردا على ذلك.

وقد أخرج مسلم من حديث جابر في هذه القصة قال: "فقلنا"، فظاهر هذا السياق يوهم أنه من تتمة حديث عمر، فيكون عمر حضر ذلك من عائشة، قال الحافظ: وهو محتمل عندي، لكن يقويّ أن يكون هذا من تعاليق الزهريّ في هذه الطريق، فإن هذا القدر عنده عن عروة، عن عائشة، أخرجه مسلم من رواية معمر عنه: أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - أقسم أن لا يدخل على نسائه شهرًا، قال الزهري: فأخبرني عروة، عن عائشة، قالت … فذكره".

(إِنَّكَ قَدْ كُنْتَ، آلَيْتَ) أي حلفت. ولفظ البخاريّ: إنك كنت قد أقسمت … " (يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْ لَا تَدخُلَ عَلَينَا شَهْرا، وإِنَّا أَصْبَحْنَا مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةٌ) وفي رواية: "لتسع" باللام، وفي أخرى: "بتسع"، وهي متقاربة (نَعُدُهَا عَددّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "الشَّهْرُ تِسْعْ وَعِشْرُونَ لَيْلَةٌ") أي بعض المشهور يكون تسعًا وعشرين ليلة، أو المراد الشهر الذي أقسم عليه، فـ "ال" للعهد، يوضّح ذلك ما زاد في "صحيح البخاريّ" بلفظ: "فكان ذلك الشهر تسعًا وعشرين ليلة".

قال في "الفتح": في هذا إشارة إلى تأويل الكلام الذي قبله، وأنه لا يراد به الحصر، أو أن اللام في قوله: "الشهر" للعهد من الشهر المحلوف عليه، ولا يلزم من ذلك أن تكون المشهور كلها كذلك، وقد أنكرت عائشة على ابن عمر روايته المطلقة أن الشهر تسع وعشرون، فأخرج أحمد من طريق يحيى بن عبد الرحمن، عن ابن عمر، رفعه: "الشهر تسع وعشرون"، قال: فذكروا ذلك لعائشة، فقالت: يرحم اللَّه أبا عبد الرحمن، إنما قال: "الشهر قد يكون تسعًا وعشرين". وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن عمر بهذا اللفظ الأخير الذي جزمت به عائشة. انتهى (١).


(١) -"فتح" ج ١٠ ص ٣٦٤.