للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في "الفتح": "السحور": بفتح السين وضمها، لأن المراد بالبركة الأجر والثواب، فيناسب الضمّ، لأنه مصدر بمعنى التسحّر، أو البركة؛ لكونه يقوّي على الصوم، ويُنَشِّطُ له، ويخفّف المشقّة فيه، فيناسب الفتح؛ لأنه ما يتسحّر به. وقيل: البركة ما يتضمّن من الاستيقاظ والدعاء في السحر، والأولى أن البركة في السحور تحصل بجهات متعدّدة، وهي اتباع السنّة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوّي على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يُثيره الجوع، والتسبّب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك، أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنّة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام.

قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: هذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية، فإن إقامة السنّة يوجب الأجر وزيادته، ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية؛ كقوّة البدن على الصوم، وتيسيره من غير إضرار بالصائم، قال: ومما يُعلّل به استحباب السحور المخالفة لأهل الكتاب؛ لأنه ممتنع عندهم، وهذا أحد الوجوه المقتضية للزيادة في الأجور الأخرويّة. وقال أيضًا وقع للمتصوّفة في مسألة السحور كلام من جهة اعتبار حكمة الصوم، وهي كسرة شهوة البطن والفرج، والسحور قد يُباين ذلك. قال: والصواب أن يقال: ما زاد في المقدار حتى تنعدم هذه الحكمة بالكلية، فليس بمستحبّ، كالذي يصنعه المترفون من التأنّق في المآكل، وكثرة الاستعداد لها، وما عدا ذلك تختلف مراتبه. انتهى ما في "الفتح" (١). وهو بحث نفيسٌ جدّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه هذا صحيح، وهو من أفراد المصنّف رحمه الله تعالى، أخرجه هنا - ١٨/ ٢١٤٤ و ٢١٤٥ - وفي "الكبرى" ١٩/ ٢٤٥٤ و ٢٤٥٥. والله تعالى أعلم.

(المسألة الثانية): أنه يحصل السحور بأقلّ ما يتناوله المرء من مأكول ومشروب، وقد أخرج هذا الحديث أحمد من حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه -، بلفظ: "السحور بركة، فلا تَدَعُوه، ولو أن يَجرَع أحدكم جُرعة (٢) من ماء، فإن اللَّه، وملائكته، يصلّون


(١) - "الفتح" ج ٤ ص ٦٣٩ - ٦٤٠.
(٢) -"جرع" من باب نفع، وفيه لغة أخرى من باب تَعِبَ، و"الجُرعة بالضمّ: ما يُجرَع مرة واحدة. أفاده في "المصباح".