ولَمّا أسن استأذن قومه في وِطاء يجلس عليه في ناديهم، كراهية أن يظن أحد منهم أنه يفعل ذلك تعاظمًا، فأَذِنوا له. أخرج له الجماعة، وله من الحديث (٦٦) حديثًا، اتفق الشيخان على ستة أحاديث، وانفرد البخاريّ بثلاثة، ومسلم بحديثين، وله في هذا الكتاب (٢٩) حديثًا. واللَّه تعالى أعلم.
لطائف هذا الإسناد:
(منها): أنه من خماسيات المصنف -رحمه اللَّه تعالى-. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح. (ومنها): أنه مسلسل بالكوفيين، غير شيخه، فمروزيّ. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمِ) الطائيّ - رضي اللَّه تعالى عنه - (أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) وفي رواية البخاريّ من طريق حُصَين بن عبد الرحمن، عن الشعبيّ، عن عديّ بن حاتم - رضي اللَّه عنه - قال:"لما نزلت {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} عَمَدتُ إلى عقال أسود، وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي … " الحديث.
قال في "الفتح": ظاهره أن عديًا كان حاضرًا لما نزلت هذه الآية، وهو يقتضي تقدّم إسلامه، وليس كذلك؛ لأن نزول فرض الصوم كان متقدّمًا في أوائل الهجرة، وإسلام عديّ كان في السنة التاسعة، أو العاشرة، كما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي، فإما أن يُقال: إن الآية التي في حديث الباب تأخّر نزولها عن نزول فرض الصوم، وهو بعيدٌ جدًّا، وإما أن يؤوّل قول عديّ هذا على أن المراد بقوله:"لما نزلت"، أي لما تُليت عليّ عند إسلامي، أو لما بلغني نزول الآية، أو في السياق حذفٌ، تقديره لما نزلت الآية، ثم قدمت، فأسلمت، وتعلّمتُ الشرائع عمدتُ.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الاحتمال الثاني هو الأقرب، ثم إن الاحتمال الذي ذكره أخيرًا بمعنى الاحتمال الثاني. واللَّه تعالى أعلم.
وقد روى أحمد حديثه من طريق مجالد بلفظ "علّمني رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -الصلاة، والصيام، فقال: صلّ كذا، وصم كذا، فإذا غابت الشمس، فكل حتى يتبيّن لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود، قال: فأخذت خيطين … " الحديث.
(عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}) أي سألته عن المعنى المراد بالخيط الأبيض، والخيط الأسود في هذه الآية.
(قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (هُوَ) راجع إلى المذكور من الخيط الأبيض، والخيط الأسود، أي المعنى