للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في هذا الحديث ذكر أربعة أبواب من أبواب الجنّة، وقد ثبت في "الصحيحين"، وغيرهما أن أبواب الجنّة ثمانية، قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: وبقي من الأركان الحجّ، فله باب بلا شك، وأما الثلاثة الأخرى:

(فمنها): "باب الكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس". رواه أحمد بن حنبل، عن روح بن عُبادة، عن أشعث، عن الحسن، مرسلاً: "إن للَّه بابًا في الجنّة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة".

(ومنها): الباب الأيمن، وهو باب المتوكّلين، الذي يدخل منه من لا حساب عليه، ولا عذاب.

وأما الثالث، فلعلّه باب الذكر، فإن عند الترمذيّ ما يومئ إليه، ويحتمل أن يكون باب العلم. واللَّه أعلم. ويحتمل أن يكون بالأبواب التي يُدعى منها أبوابٌ من داخل أبواب الجنّة الأصليّة؛ لأن الأعمال الصالحة أكثر عددًا من ثمانية. واللَّه أعلم انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الاحتمال الأخير هو الأقرب عندي. واللَّه تعالى أعلم.

(قَالَ: أَبُو بَكْرِ الصِّدِّيقُ) - رضي اللَّه عنه - (يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى أَحَدٍ" "ما" نافية، والجارّ والمجرور خبر مقدّم (يُدّعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ) الجملة صفة "أحد" (مِنْ ضَرُورَةِ) "من" زائدة، و"ضرورة" مبتدأ مؤخر. يعني أنه ليس على الشخص الذي يُدعَى من أيّ باب من تلك الأبواب ضررٌ يلحقه أبدًا, لأن مآله الفوز بنعيم الجنّة.

وفي الرواية الآتية في "الجهاد" من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: "فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه، ذاك الذي لا تَوَى عليه". والتّوَى الضَّيّاع، والخسارة.

ويحتمل أن يكون المعنى أن من دُعي من باب من تلك الأبواب ليست له حاجةٌ إلى أن يُدعَى من جميِع الأبواب، إذ الباب الواحد يكفي لدخوله الجنّة. واللَّه تعالى أعلم.

(فَهَلْ يُدْعَى أحَدٌ، من تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا) لقيامه بالأعمال الموجبة لها (قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "نَعَمْ") أي نعم يُدعى من جميع تلك الأبواب، وفي الحديث إشعار بقلّة من يُدعَى من تلك الأبواب كلها، وفيه أيضًا إشارة إلى أن المراد ما يتطوّع به من الأعمال المذكورة، لا واجباتها؛ لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها، بخلاف التطوّعات، فقلّ من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوّعات.

ثم من يجتمع له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد، قال الحافظ: ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه. واللَّه أعلم.