للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النسائيّ كان أعذر، على أنه قد تبيّن أنه سمع ذلك الحديث كما قدّمناه.

وقد ذكر مسلم إثر رواية شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، عن محمد بن عمرو بن حسن، عن جابر أن شعبة قال: كان يبلغني عن يحيى بن أبي كثير أنه كان يزيد في هذا الحديث، وفي هذا الإسناد: "عليكم برخصة اللَّه التي رخّص لكم". قال: فلما سألته لم يحفظه.

فجاء من هذا أن رواية شعبة التي جعلها النسائيّ حجة على انقطاع رواية شعيب، عن الأوزاعيّ، ليس فيها ذكر الزيادة المذكورة. فإذن الزيادة المذكورة في حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر كما بيّنّاه.

وهنالك أيضًا غلط آخر للنسائيّ في هذا الحديث، وذلك أنه ظنّ في رواية عُمارة بن غَزِية، عن محمد بن عبد الرحمن، عن جابر لهذا الحديث أنه أيضًا ابن ثوبان، وهو خطأ منه، وإنما يرويه عمارة بن غزية، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، عن جابر منقطعًا، ساقطًا من بينهما محمد بن عمرو بن حسن.

وقع البيان فيه أنه ابن سعد بن زرارة في كتاب بَقِيّ بن مَخلَد، فاعلم ذلك، واللَّه الموفّق انتهى كلام الحافظ أبي الحسن بن القطّان الفاسي -رحمه اللَّه تعالى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي حقّقه الحافظ أبو الحسن بن القطّان -رحمه اللَّه تعالى- تحقيق حسنٌ جدّا.

وحاصله أن الحديث صحيح متصل بسماع محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر - رضي اللَّه عنه -، وأن زيادة: "عليكم برخصة اللَّه التي رخّص لكم، فاقبلوها" زيادة صحيحة، وأن ما ادعاه المصنّف من الانقطاع إنما هو لظنه أن محمد بن عبد الرحمن رجل واحد، والصواب أنهما رجلان:

أحدهما: ابن ثوبان، وهو صرح بالسماع من جابر، وهو الذي وقع في سند شعيب ابن إسحاق. والثاني: ابن سعد بن زرارة، وهو الذي أدخل بينه وبين جابر واسطة، وهو الذي وقع في سند الفريابيّ.

وخلاصة القول أن رواية شعيب بالزيادة المذكورة صحيحة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) - "بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام" ج ٢ ص ٥٧٦ - ٥٨٤.