ويحيى بن أبي كثير معروف الرواية عن الرجلين، أما عن ابن ثوبان فهو مصرّح به في الإسناد المذكور، من رواية وكيع، عن عليّ بن المبارك، وروايته عن ابن سعد بن زُرارة مصرّح به أيضًا في كتاب مسلم في الحديث المذكور دون الزيادة المذكورة (١).
وفي كتاب البخاريّ في "فضائل القرآن" من رواية شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة، عن عبد اللَّه بن عمرو، أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال له:"في كم تقرأ القرآن؟ " الحديث، وهذا هو ابن سعد بلا خلاف.
فإذا كان الأمر هكذا، فلا ينبغي أن يبت على الذي يقول:"حدثني جابر" بأنه محمد ابن عبد الرحمن بن سعد، كما فعل النسائيّ، ثم يقضي على قوله:"أخبرني جابر" بالخطإ، من أجل إدخال الآخر بينه وبين جابر رجلاً، بل يجب أن يقال: إنه ابن ثوبان الصحيح السماع من جابر، ولو لم يثبت أنهما رجلان لما جاز أن يقول في روايته: إنها منقطعة، وهو قد قال:"حدثني جابر"، ولو رواه بواسطة عنه، فإنه لا مانع من أن يكون سمعه منه، وحدثه به غيره عنه، فأدّاه على الوجهين.
وقد تقرّر أنهما رجلان، فالقائل منهما:"حدثني جابر" هو ابن ثوبان، والقائل:"عن رجل، عن جابر" هو ابن سعد بن زُرارة.
[فإن قيل]: فهل عُلم سماعُ محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، من جابر غير هذا الحديث؟.
[قلنا]: نعم، روى شيبان النحويّ، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، أن جابر بن عبد اللَّه أخبره، أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "كان يصلي التطوّع، وهو راكب في غير القبلة".
وقال هشام الدستوائيّ: عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، حدثني جابر بن عبد اللَّه:"أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يصلي على راحلته نحو المشرق، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل، فاستقبل القبلة".
فهذا نصّ سماعه منه في هذين الحديثين، وهما صحيحان، ذكرهما جميعًا البخاريّ في "جامعه".
ومنهما يتبيّن الخطأ في إطلاق القول بأنه لم يسمع من جابر، ولو قال كما قال
(١) - هذا وهم من الحافظ الفاسيّ -رحمه اللَّه تعالى-، فإنه لا وجود لرواية يحيى بن أبي كثير عن محمد ابن عبد الرحمن بن سعد في كتاب مسلم، بل مخارجه كلها تدور على شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن، وإنما نسبه غندر عن شعبة "ابن سعد"، ولم ينسبه غيره. أفاده محقق كتاب الوهم والإيهام. ج٢ ص ٥٨١.