وقال في "الفتح" عند قوله: "فلما بلغ الكَدِيد": بفتح الكاف، وكسر الدال المهملة: مكان معروف، وقع تفسيره في نفس الحديث بأنه بين عُسفان وقُديد -يعني بضم القاف، على التصغير- وفي رواية ابن عباس من وجه آخر:"حتى بلغ عُسفان" بدل "الكَدِيد"، وفيه مجاز القرب؛ لأن الكَديد أقرب إلى المدينة من عُسفان، وبين الكديد ومكة مرحلتان. قال البكريّ: هو بين أَمَج -بفتحتين، وجيم- وعُسفان، وهو ماء عليه نخل كثير.
قال عياض: اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر - صلى اللَّه عليه وسلم- فيه، والكلّ في قصة واحدة، وكلها متقاربة، والجميع من عمل عُسفان انتهى.
وأخرج البخاريّ في "المغازي" من طريق معمر، عن الزهريّ، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -: "خرج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في رمضان من المدينة، ومعه عشرة آلاف من المسلمين، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة، فسار، ومن معه، من المسلمين يصوم، ويصومون حتى بلغ الكديد، فأفطر، وأفطروا". قال الزهريّ: وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أمره - صلى اللَّه عليه وسلم -. وهذه الزيادة التي في آخره من قول الزهريّ وقعت مدرجة عند مسلم، من طريق الليث، عن الزهريّ، ولفظه:"حتى بلغ الكديد أفطر، قال: وكان أصحاب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يتبعون الأحدث، فالأحدث من أمره". وأخرجه من طريق سفيان، عن الزهريّ، قال: مثله. قال سفيان: لا أدري من قول من هو؟. ثم أخرجه من طريق معمر، ومن طريق يونس كلاهما، عن الزهريّ، وبيّنا أنه من قول الزهريّ، وبذلك جزم البخاريّ في "الجهاد".
وظاهره أن الزهريّ ذهب إلى أن الصوم في السفر منسوخ، ولم يُوافَق على ذلك. وأخرج البخاريّ في "المغازي" أيضًا من طريق خالد الحذّاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:"خرج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، والناس صائم، ومفطر، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن، أو ماء، فوضعه على راحلته، ثم نظر الناس"، زاد في رواية أخرى من طريق طاوس، عن ابن عباس:"ثم دعا بماء، فشرب نهارًا ليراه الناس".
وأخرج الطحاويّ من طريق أبي الأسود، عن عكرمة أوضح من سياق خالد، ولفظه:"فلما بلغ الكديد بلغه أن الناس شقّ عليهم الصيام، فدعا بقدح من لبن، فأمسكه بيده حتى رآه الناس، وهو على راحلته، ثم شرب، فأفطر، فناوله رجلاً إلى جنبه، فشرب"(١).