للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَصَامَ النَّاسُ، فَبَلَغَهُ أَنَّ النَّاسَ، قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ) زاد مسلم من طريق الدراورديّ، عن جعفر: "وإنما ينظرون فيما فعلتَ" (فَدَعَا بقَدَحٍ) بفتحتين، جمعه أقداحٌ، كسَبَبٍ وأسباب: إناء يُشرَب فيه (مِنَ الْمَاءِ، بَعْدَ الْعَصْرِ، فَشَرِبَ) بفتح الشين، وكسر الراء.

فيه دليل على جواز الفطر للمسافر في أثناء رمضان، ولو استهلّ رمضان في الحضر، إذ لا خلاف أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - استهلّ رمضان في عام غزوة الفتح، وهو بالمدينة، ثم سافر في أثنائه.

واستدلّ به على أن للمرء أن يفطر، ولو نوى الصيام من الليل، وأصبح صائمًا، فله أن يفطر في أثناء النهار، وهو قول الجمهور، وقطع به أكثر الشافعيّة، وفي وجه ليس له أن يفطر.

وهذا كله فيما لو نوى الصوم في السفر، فأما لو نوى الصوم، وهو مقيم، ثم سافر في أثناء النهار، فهل له أن يفطر في ذلك النهار؟، منعه الجمهور، وقال أحمد، وإسحاق بالجواز، واختاره المزنيّ، محتجّا بهذا الحديث، فقيل له (١) قال كذلك ظنّا منه أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أفطر في اليوم الذي خرج فيه من المدينة، وليس كذلك، فإن بين المدينة والكديد عدة أيام. وقد وقع في البويطيّ مثل ما وقع عند المزنيّ، فسلم المزنيّ. وأبلغ من ذلك ما رواه ابن أبي شيبة، والبيهقيّ، عن أنس أنه كان إذا أراد السفر يفطر في الحضر قبل أن يركب.

ثم لا فرق عند المجيزين في الفطر بكلّ مُفَطِّر، وفرق أحمد في المشهور عنه بين الفطر بالجماع وغيره، فمنعه في الجماع، قال: فلو جامع، فعليه الكفّارة، إلا أن يفطر بغير الجماع قبل الجماع.

واعْتَرَض بعضُ المانعين في أصل المسألة، فقال: ليس في الحديث دلالة على أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - نوى الصيام في ليلة اليوم الذي أفطر فيه، فيحتمل أن يكون نوى أن يصبح مفطرًا، ثم أظهر الإفطار ليفطر الناس. لكن سياق الأحاديث ظاهر في أنه كان أصبح صائمًا، ثم أفطر. أفاده في "الفتح" (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله هذا البعض عجيب منه، فلو سلمنا أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم ينو ليلاً، فبماذا يُجيب عن حال الصحابة، فإنهم أفطروا بعد ما نووا الصيام بلا شكّ.


(١) - هكذا نسخة "الفتح"، ولعل الصواب: فقيل: إنه قال ذلك الخ.
(٢) - راجع "الفتح" ج ٤ ص ٦٩١ - ٦٩٢.