ومما يرد به عليه أيضًا حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - الآتي بعد هذا، فإن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال لأبي بكر وعمر بمرّ الظهران: "ادنوا فكلا"، فقالا: إنا صائمان … الحديث، فإنه دليل واضح في جواز الفطر للصائم في السفر بعد مضيّ بعض النهار.
والحاصل أن الصواب ما ذهب إليه الجمهور من جواز الفطر للمسافر أثناءَ النهار، وإن نوى الصوم من الليل. واللَّه تعالى أعلم.
(وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ) جملة في محلّ نصب على الحال من فاعل "شرب" (فَأَفْطَرَ بَعْضُ النَّاسِ) أي اقتداء به - صلى اللَّه عليه وسلم - (وَصَامَ بَعْضٌ) أي ظنًا منهم أن الفطر رخصة، ورأوا أن لهم قوّة على الصوم (فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسَاً صَامُوا، فَقَالَ: "أُولَئِكَ العُصَاةُ" وقع في، "صحيح مسلم": "أولئك العصاة، أولئك العصاة" مكررًا.
وهذا محمول على من تضرَر بالصوم، أو أنهم أُمروا بالفطر أمرًا جازمًا لمصلحة بيان الجواز، فخالفوا الواجب، وعلى التقديرين لا يكون الصائم اليوم عاصيًا، إذا لم يتضرّر به، ويؤيّد التأويل الأول قوله: في الحديث: "إن الناس قد شقّ عليهم الصيام". أفاده النوويّ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث جابر - رضي اللَّه عنه - هذا أخرجه مسلم.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا-٤٩/ ٢٢٦٣ - وفي "الكبرى" ٤٩/ ٢٥٧١. وأخرجه (م) في "الصيام" ١١١٤ (ت) في "الصوم" ٧١٠. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): جواز الفطر في رمضان للمسافر (ومنها): جواز الفطر أثناء النهار لمن بات ناويًا للصوم (ومنها): ما كان عليه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من الشفقة بأمته (ومنها): ما كان عليه الصحابة - رضي اللَّه عنهم - من متابعته - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولو شقّ عليهم ذلك (ومنها): سماحة الشريعة، وسهولة تكاليفها، حيث أباحت الفطر للمسافر، وخففت شطر الصلاة، لما يلحقه من التعب بسبب عناء السفر (ومنها): أن من لم يقبل رخصة الشرع في مواضع الترخيص، وأبى إلا العزيمة، يكون عاصيًا بسبب إعراضه عن قبول رخصة اللَّه تعالى، فإن الرخصة في مواضعها لا تقلّ عن العزيمة في مواضعها، فإتيانها كإتيانها، والإعراض عنها كالإعراض عنها.
فقد أخرج أحمد في "مسنده"، والبيهقيّ في "سننه"، من حديث ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -،