الصائمين بسقي الركاب، وضرب الخباء، ونحوهما؛ لما حصل منهم من النفع المتعدّي، وليس المراد نقص أجر الصوّام، بل المراد أن المفطرين حصل لهم أجر عملهم، ومثل أجر الصوّام؛ لتعاطيهم أشغالهم، وأشغال الصوّام، فلذلك قال: "بالأجر كله"؛ لوجود الصفات المقتضية لتحصيل الأجر منهم. قاله الحافظ.
وقال القاري: أي بالثواب الأكمل؛ لأن الإفطار كان في حقهم أفضل، وفي ذكر "اليوم" إشارة إلى عدم إطلاق هذا الحكم. وقال الطيبيّ: أي إنهم مضوا، واستصحبوا الأجر، ولم يتركوا لغيرهم شيئًا منه، على طريقة المبالغة، يقال: ذهب به: إذا استصحبه، ومضى به معه.
وقال ابن دقيق العيد: فيه وجهان:
أحدهما: أن يراد بالأجر أجر تلك الأفعال التي فعلوها، والمصالح التي جرت على أيديهم، ولا يراد مطلق الأجر على سبيل العموم.
والثاني: أن يكون أجرهم قد بلغ في الكثرة بالنسبة إلى أجر الصوم مبلغًا يَنغمر فيه أجر الصوم، فتحصل المبالغة بسبب ذلك، ويجعل كأنّ الأجر كله للمفطر انتهى (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أنس بن مالك - رضي اللَّه عنه - هذا متفق عليه.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه- ٥٢/ ٢٢٨٣ - وفي "الكبرى" ٥٢/ ٢٥٩٢. وأخرجه (خ) في "الجهاد" ٢٨٩٠ (م) في "الصيام" ١١١٩. واللَّه تعالى أعلم.
[فائدة]: قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: هذا الحديث من الأحاديث التي أرودها البخاريّ في غير مظنتها؛ لكونه لم يذكرها في "الصيام"، واقتصر على إيرادها في "الجهاد" انتهى. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما بوّب له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو فضل الإفطار في السفر على الصيام (ومنها): الحضّ على المعاونة في الجهاد (ومنها): أن أجر الخدمة في الغزو أعظم من أجر الصيام. قاله ابن أبي صفرة. واعترض عليه الحافظ بأنه ليس ذلك على العموم (ومنها): جوزا الصوم في السفر؛ خلافًا لمن قال: لا ينعقد. واللَّه تعالى أعلم
(١) - راجع "المرعاة: ج ٧ ص ٩.