للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصوم من الليل، أما من جهل ذلك بأن لم يعلم بدخول رمضان إلا في أثناء النهار، فصومه صحيح بنيّة النهار. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في تعيين يوم عاشوراء:

ذهب أكثر العلماء إلى أن عاشوراء هو اليوم العاشر. قال القرطبيّ: عاشوراء مَعدُول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم، وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة؛ لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد، واليوم مضاف إليها، فإذا قيل: يوم عاشوراء، فكأنه قيل: يوم الليلة العاشرة؛ إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الاسميّة، فاستغنوا عن الموصوف، فحذفوا الليلة، فصار هذا اللفظ عَلَمًا على اليوم العاشر.

وذكر أبو منصور الجواليقيّ أنه لم يُسمع فاعولاء إلا هذا، وضاروراء، وساروراء، ودالولاء، من الضارّ، والسارّ، والدالّ، وعلى هذا فيوم عاشوراء هو العاشر، وهذا قول الخليل وغيره.

وقال الزين ابن الْمُنَيّر: أكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر اللَّه المحرّم، وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية.

وقيل: هو اليوم التاسع، فعلى الأول فاليوم مضاف لليلة الماضية، وعلى الثاني هو مضاف لليلته الآتية، وقيل: إنما سمي يوم التاسع عاشوراء أخذًا من إيراد الإبل، كانوا إذا رعوا الإبل ثمانية أيام، ثم أوردها في التاسع قالوا: وردنا عِشْرًا -بكسر العين- وكذلك إلى الثلاثة.

وروى مسلم من طريق الحكم بن الأعرج، قال: "انتهيت إلى ابن عباس، وهو متوسّد رداءه، فقلت: أخبرني عن يوم عاشوراء، قال: إذا رأيت هلال المحرّم، فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائمًا، قلت: أهكذا كان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يصومه؟ قال: نعم.

وهذا ظاهر أن عاشوراء هو اليوم التاسع، لكن قال الزين ابن المنيّر: قوله: إذا أصبحت من تاسعه، فأَصْبحْ يشعر بأنه أراد العاشر؛ لأنه لا يصبح صائمًا بعد أن أصبح من تاسعه إلا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة، وهي الليلة العاشرة.

قال الحافظ: ويقوّي هذا الاحتمال ما رواه مسلم أيضًا من وجه آخر، عن ابن عبّاس أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -قال: "لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ التاسع، فمات قبل ذلك". فإنه ظاهر في أنه كان يصوم العاشر، وهمّ بصوم التاسع، فمات قبل ذلك، ثم ما همّ به من صوم التاسع يحتمل معناه أنه لا يقتصر عليه، بل يضيفه إلى اليوم العاشر؛ إما احتياطًا له، وإما مخالفة لليهود والنصارى، وهو الأرجح، وبه يشعر بعض روايات مسلم. ولأحمد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعًا: "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، صوموا يومًا