بين صوم الفرض إذا كان في يوم بعينه، كعاشوراء، فتجزىء النيّة في النهار، أو لا في يوم بعينه، كرمضان، فلا يجزئ إلا بنيّة من الليل، وبين صوم التطوّع، فيجزىء في الليل وفي النهار.
وقد تعقّبه إمام الحرمين بأنه كلام غثّ، لا أصل له. وقال ابن قُدامة: تعتبر النية في رمضان لكلّ يوم في قول الجمهور، وعن أحمد أنه يجزئه نية واحدة لجميع الشهر، وهو كقول مالك، وإسحاق. وقال زفر: يصحّ صوم رمضان في حقّ المقيم الصحيح بغير نية، وبه قال عطاء، ومجاهد.
واحتجّ زفر بأنه لا يصحّ فيه غير صوم رمضان؛ لتعينه، فلا يفتقر إلى نية؛ لأن الزمن معيار له، فلا يتصوّر في يوم واحد إلا صوم واحد.
وقال أبو بكر الرازيّ: يلزم قائل هذا أن يصحح صوم المغمى عليه في رمضان إذا لم يأكل، ولم يشرب؛ لوجود الإمساك بغير نيّة، قال: فإن التزمه كان مستشنعًا. وقال غيره: يلزمه أن من أخر الصلاة حتى لم يبق من وقتها إلا قدرها، فصلى حينئذ تطوعًا أنه يجزئه عن الفرض.
واستدلّ ابن حزم بحديث الباب، وحديث سلمة - رضي اللَّه عنه - الآتي في الباب التالي، مرفوعًا:"من أكل، فليتمّ بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم". على أن من ثبت له هلال رمضان بالنهار جاز له استدراك النية حينئذ، ويجزئه، وبناه على أن عاشوراء كان فرضًا أوّلاً، وقد أمروا أن يمسكوا في أثناء النهار، قال: وحكم الفرض لا يتغيّر. قال الحافظ: ولا يخفى ما يَرِدُ عليه مما قدمناه. وألحق بذلك من نسي أن ينوي من الليل؛ لاستواء حكم الجاهل والناسي. انتهى كلام الحافظ.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما ذهب إليه ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى-، هو الراجح الذي يؤيّده الدليل الواضح البيّن، وما ادعاه الحافظ من أنه يَرِدُ عليه ما تقدّم غير مقبول؛ لأن ما قدمه من ترجيح عدم كون صوم عاشوراء فرضًا، غير مسلّم، فتنبّه.
والحاصل أن الصوم فرضه ونفله لايصحّ إلا بنيّة من الليل، إلا ما خصّ بحديث الباب، ونحوه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".