عام الفتح سنة ثمان. واتفقوا على أنه لم يزل على اليمن إلى أن قدم في عهد أبي بكر - رضي اللَّه عنهما -، ثم توجّه إلى الشام، فمات بها، واختلف هل كان معاذ واليًا، أو قاضيًا؛ فجزم ابن عبد البرّ بالثاني، والغسّانيّ بالأول قاله الحافظ (١).
(إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا، أَهْلَ كِتَابٍ) هي كالتوطئة للوصيّة لتستجمع همته عليها، لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة، فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهّال من عبدة الأوثان، وليس فيه أن جميع من يُقْدِمُ عليهم من أهل الكتاب، بل يجوز أن يكون فيهم من غيرهم، وإنما خصّهم بالذكر تفضيلاً لهم على غيرهم.
(فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) وفي رواية: "وأني رسول اللَّه". قال في "الفتح": كذا في رواية زكريا بن إسحاق لم يُختلف عليه فيها، وأما إسماعيل بن أمية، ففي رواية رَوْح بن القاسم عنه:"فأول ما تدعوهم إليه عبادة اللَّه، فإذا عرفوا اللَّه". وفي رواية الفضل بن العلاء عنه:"إلى أن يوحّدوا اللَّه، فإذا عرفوا ذلك".
ويجمع بينها بأن المراد بعبادة اللَّه توحيده، وبتوحيده الشهادة له بذلك، ولنبيّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بالرسالة.
ووقعت البداءة بهما لأنهما أصل الدين الذي لا يصحّ شيء غيرهما إلا بهما، فمن كان منهم غير موحّد، فالمطالبة متوجّهة إليه بكلّ واحدة من الشهادتين على التعيين، ومن كان موحدًا فالمطالبة له بالجمع بين الإقرار بالوحدانيّة، والإقرار بالرسالة، وإن كانوا يعتقدون ما يقتضي الإشراك، أو يستلزمه، كمن يقول ببنوّة عُزير، أو يعتقد التشبيه، فتكون مطالبتهم بالتوحيد لنفي ما يلزم من عقائدهم.
واستَدَلّ به من قال من العلماء: إنه لا يشترط التبرّي من كلّ دين يخالف دين الإسلام؛ خلافًا لمن قال: إن من كان كافرًا بشيء، وهو مؤمن بغيره لم يدخل في الإسلام إلا بترك اعتقاد ما كفر به.
والجواب أن اعتقاد الشهادتين يستلزم ترك اعتقاد التشبيه، ودعوى بُنُوّة عزير، وغيره، فيكتفى بذلك.
واستُدلّ به على أنه لا يكفي في الإسلام الاقتصار على شهادة أن لا إله إلا اللَّه، حتى يُضيف إليها الشهادة لمحمد - صلى اللَّه عليه وسلم - بالرسالة، وهو قول الجمهور. وقال بعضهم: يصير بالأولى مسلمًا، ويطالب بالثانية. وفائدة الخلاف تظهر في الحكم بالردّة.