للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وسبب اختلافهم في زكاة مال العبد اختلافهم في هل يملك العبد ملكًا تامّا أو غير تام؟ فمن رأى أنه لا يملك ملكًا تامًّا، وأن السيّد هو المالك، إذ كان لا يخلو مال من مالك، قال: الزكاة على السيّد، ومن رأى أنه لا واحد منهما يملكه ملكا تامًا، لا السيّد، إذ كانت يد العبد هي التي عليه، لا يد السيّد، ولا العبد أيضًا؛ لأن للسيّد انتزاعه منه، قال: لا زكاة في ماله أصلًا. ومن رأى أن اليد على المال توجب الزكاة فيه لمكان تصرّفها فيه تشبيهًا بتصرّف يد الحرّ قال: الزكاة عليه، لا سيّما من كان عنده أن الخطاب العامّ يتناول الأحرار والعبيد، وأن الزكاة عبادة تتعلّق بالمكلّف لتصرّف اليد في المال.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا القول الأخير هو الظاهر عندي؛ لأن النصوص تعمّ الحرّ والعبد، وظواهر النصوص أن العبد يملك إذا أذن له السيّد في التصرّف. واللَّه تعالى أعلم.

قال: وأما المالكون الذين عليهم الديون التي تستغرق أموالهم، أو تستغرق ما تجب فيه الزكاة من أموالهم، وبأيديهم أموال تجب فيها الزكاة، فإنهم اختلفوا في ذلك، فقال: قوم: لا زكاة في مال حبًّا كان، أو غيره حتى تُخرج منه الديون، فإن بقي ما تجب فيه الزكاة زُكّي، وإلا فلا وبه قال الثوريّ، وأبو ثور، وابن المبارك، وجماعة.

وقال أبو حنيفة وأصحابه: الدين لا يمنع زكاة الحبوب، ويمنع ما سواها.

وقال مالك: الدين يمنع زكاة الناضّ فقط، إلا أن يكون له عُروض فيها وفاء من دينه، فإنه لا يَمنع.

وقال قوم بمقابل القول الأول، وهو أن الدين لا يمنع زكاة أصلاً.

والسبب في اختلافهم اختلافُهم، هل الزكاة عبادة، أو حقّ مرتّبٌ في المال للمساكين؟ فمن رأى أنها حقّ لهم قال: لا زكاة في مال من عليه الدين, لأن حقّ صاحب الدين متقدّم بالزمان على حقّ المساكين، وهو في الحقيقة مال صاحب الدين، لا للذي المالُ بيده، ومن قال: هي عبادة قال: تجب على من بيده مالٌ لأن ذلك هو شرط التكليف، وعلامته المقتضية الوجوب على المكلّف، سواء كان عليه دينٌ، أو لم يكن؛ وأيضًا فإنه قد تعارض هنالك حقّان: حقّ للَّه، وحقّ للآدميّ، وحقّ اللَّه أحقّ أن يُقضى. والأشبه بغرض الشرع إسقاط الزكاة عن المديون؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "صدقة تؤخذ من أغنيائهم، وتُردّ على فقرائهم … " والمديون ليس بغنيّ. وأما من فرق بين الحبوب، وغير الحبوب، وبين الناضّ، وغير النّاضّ، فلا أعلم له شبهة بيّنة.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الأقرب عندي أن من عليه دين يستغرق بماله، لا زكاة عليه أصلاً، ومن عليه دين لا يستغرق لا زكاة عليه بقدر الدين، ويزكي ما عداه؛