للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لظاهر النصّ المذكور، فإنه شرط في أخذ الزكاة أن يكون غنيّا، والمديون لا يسمّى غنيّا. واللَّه تعالى أعلم.

قال: وأما المال الذي هو في الذّمّة -أعني في ذمة الغير- وليس هو بيد المالك، وهو الدين، فإنهم اختلفوا فيه أيضًا، فقدم قالوا: لا زكاة فيه، وإن قُبض حتى يستكمل شرط الزكاة عند القابض له، وهو الحول، وهو أحد قولي الشافعيّ، وبه قال الليث، أو هو قياس قوله. وقوم قالوا: إذا قبضه زكّاه لما مضى من السنين. وقال مالك: يزكيه لحول واحد، وإن أقام عند المديون سنين إذا كان أصله عن عوض، وأما إذا كان عن غير عوض، مثل الميراث، فإنه يستقبل به الحول انتهى كلام ابن رشد ببعض تصرف (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يترجّح عندي أنه إن كان الدين عند مقرّ به، أو له عليه بيّنة، فإنه يزكّيه، وإلا فلا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم في اشتراط الحول في الزكاة:

ذكر ابن رشد -رحمه اللَّه تعالى- أن جمهور الفقهاء يشترطون في وجوب الزكاة في الذهب والفضّة والماشية الحولَ، لثبوت ذلك عن الخلفاء الأربعة، ولانتشاره في الصحابة - رضي اللَّه عنهم - ولانتشار العمل به، ولاعتقادهم أن مثل هذا الانتشار من غير خلاف لا يجوز أن يكون إلا عن توقيف. وقد روي مرفوعًا من حديث ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، أنه قال: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول"، وهذا مجمع عليه عند فقهاء الأمصار، وليس فيه في الصدر الأول خلاف، إلا ما روي عن ابن عباس، ومعاوية - رضي اللَّه عنهم -، وسبب اختلافهم أنه لم يرد في ذلك حديث ثابت. قاله ابن رشد -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى (٢).

وقال النووي -رحمه اللَّه تعالى-: ما معناه: هذا الأثر المذكور عن أبي بكر، وعثمان، وعليّ - رضي اللَّه عنهم - صحيح عنهم، رواه البيهقيّ وغيره، وقد روي عن عليّ، وعائشة - رضي اللَّه عنها - عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، أنه قال: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول".

قال: وإنما لم يحتجّ المصنّف -يعني صاحب "المهذّب"- بالحديث؛ لأنه ضعيف، فاقتصر على الآثار المفسّرة. قال البيهقيّ: الاعتماد في اشتراط الحول على الآثار "الصحيحة, فيه عن أبي بكر الصدّيق، وعثمان، وابن عمر، وغيرهم - رضي اللَّه عنهم -.

قال العبدريّ: أموال الزكاة ضربان: (أحدهما): ما له نماء في نفسه، كالحبوب


(١) - "بداية المجتهد" ج١ ص ٢٤٥ - ٢٤٦.
(٢) -"بداية المجتهد" ج١ ص ٢٧٠.