للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"وأني رسول اللَّه، ويقم الصلاة، ويؤتي الزكاة". هذا كلام القاضي.

قلت (١): ولا بدّ مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، كما جاء في الرواية الأخرى لأبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، هي مذكورة في "صحيح مسلم": "حئى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، ويؤمنوا بي، وبما جئت به". واللَّه أعلم.

قال: واختلف أصحابنا في قبول توبة الزنديق، وهو الذي ينكر الشرع جملة، فذكروا فيه خمسة أوجه لأصحابنا: أصحها، والأصوب منها قبولها مطلقًا، للأحاديث الصحيحة المطلقة. والثاني: لا تُقبل، ويتحتّم قتله، لكنه إن صدق في توبته نفعه ذلك في الدار الآخرة، وكان من أهل الجنّة. والثالث: إن تاب مرّة واحدة قبلت توبته، فإن تكرّر ذلك منه لم تقبل. والرابع: إن أسلم ابتداءً من غير طلب قبل منه، وإن كان تحت السيف فلا. والخامس: إن كان داعيًا إلى الضلال لم يقبل منه، وإلا قبل منه. واللَّه تعالى أعلم انتهى كلام النوويّ (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما صححه النووي -رحمه اللَّه تعالى- من قبول توبة الزنديق مطلقًا هو الأرجح عندي؛ لما ذكره، ولإطلاق قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} الآية [الأنفال: ٣٨]، والزنديق كافر، تعمّه هذه الآية، ولحديث عمرو بن العاص - رضي اللَّه عنهم - مرفوعًا: "أما علمت أن الإسلام يَهْدِمُ ما كان قبله". أخرجه مسلم. واللَّه تعالى أعلم.

(فَقَالَ أبو بَكْرٍ - رَضِي اللَّهُ عَنْهُ -: لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ) وفي رواية: "واللَّه لأقاتلنّ الخ". قال النوويّ: ضبطناه بوجهين، "فَرَقَ"، و"فَرَّق" بتشديد الراء، وتخفيفها، ومعناه: من أطاع في الصلاة، وجحد الزكاة، أو منعها. انتهى.

وعبارة الحافظ: يجوز تشديد "فرّق" وتخفيفه، والمراد بالفرق من أقرّ بالصلاة، وأنكر الزكاة، جاحدًا، أو مانعًا مع الاعتراف، وإنما أطلق في أول القصّة الكفر ليشمل الصنفين، فهو في حقّ من جحد حقيقةٌ، وفي حقّ الآخرين مجازٌ تغليبًا، وإنما قاتلهم الصدّيق - رضي اللَّه عنه -، ولم يَعْذُرهم بالجهل، لأنهم نصبوا القتال، فجهّز إليهم من دعاهم إلى الرجوع، فلما أصرّوا قاتلهم. قال المازريّ: ظاهر السياق أن عمر كان موافقًا على قتال من جحد الصلاة، فألزمه الصدّيق بمثله في الزكاة، لورودهما في الكتاب والسنّة مَوْرِدًا واحدًا انتهى (٣).


(١) - القائل هو النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-.
(٢) - "شرح مسلم" ج١ ص ١٥٦ - ١٥٧.
(٣) - "فتح" ج ١٤ ص ٢٨٠.