للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ) يشير إلى دليل منع التفرقة التي ذكرها أن حقّ النفس الصلاة، وحق المال الزكاة، فمن صلّى عصم نفسه، ومن زكّى عصم ماله، فإن لم يصلّ قوتل على ترك الصلاة، ومن لم يُزكّ أُخذت الزكاة من ماله قهرًا، وإن نصب الحرب لذلك قوتل، وهذا يوضّح أنه لو كان سمع في الحديث: "ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة" لما احتاج إلى هذا الاستنباط، لكنه يحتمل أن يكون سمعه، واستظهر بهذا الدليل النظريّ.

(وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً) هكذا وقع بلفظ: "عِقَالاً" هنا -٣/ ٢٤٤٣ وفي "تحريم الدم" -١/ ٣٩٧٠ - ووقع في "الجهاد"-١/ ٣٠٩١ و ٣٠٩٢ و ٣٠٩٣ و ٣٠٩٤ - وفي "تحريم الدم" أيضًا في ١/ ٣٩٧٣ و ٣٩٧٥ بلفظ: "عَنَاقاً" بدل "عِقَالًا".

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- في "الفتح" بعد أن ذكره بلفظ "عناقًا": ووقع في رواية قتيبة، عن الليث، عند مسلم "عقالاً"، وأخرجه البخاريّ في "كتاب الاعتصام" عن قتيبة، فكنى بهذه اللفظة، فقال: "لو منعوني كذا".

واختلف في هذه اللفظة، فقال قوم: هي وَهَم، وإلى هذا أشار البخاريّ بقوله في "الاعتصام" عقب إيراده: قال لي ابنُ بُكير -يعني شيخه فيه هنا- وعبدُالله -يعني ابن صالح- عن الليث: "عَنَاقًا"، وهو أصحّ، ووقع في رواية ذكرها أبو عُبيدة: "لو منعوني جَدْيًا أَذْوَط"، وهو يؤيّد أن الرواية "عَناقًا". و "لأذوط" الصغير الفَكِّ والذَّقَنِ. قال: و"العَنَاق" -بفتح المهملة، والنون-: الأنثى من ولد المعز. انتهى (١)

وقال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- في "شرح مسلم": هكذا في مسلم "عِقَالاً" وكذا في بعض روايات البخاريّ، وفي بعضها "عَنَاقًا" -بفتح العين، وبالنون، وهي الأنثى من ولد المعز، وكلاهما صحيح، وهو محمول على أنه كرّر الكلام مرتين (٢)، فقال في مرّة: "عقّالًا"، وفي الأخرى: "عناقاً"، فرُوي عنه اللفظان.

فأما رواية العَنَاق، فهي محمولة على ما إذا كانت الغنم صغارًا كلها بأن ماتت أمهاتها في بعض الحول، فإذا حال حول الأمهات زُكي السِّخَال الصغار بحول الأمهات، سواء بقي من الأمهات شيء، أم لا. هذا هو الصحيح المشهور. وقال أبو القاسم الأنماطيّ من الشافعيّة: لا يزكى الأولاد بحول الأمهات، إلا أن يبقى من الأمهات نصاب. وقال


(١) - "فتح" ج ١٤ ص ٢٨٠.
(٢) - قد اعترض الحافظ على النووي هذا التأويل، فقال: وهو بعيد، مع اتحاد المخرج والقصّة انتهى. لكن الذي يظهر لي أن ما قاله النوويّ ليس ببعيد، لأنه يمكن أن يكرر أبو بكر - رضي اللَّه عنه - الكلام في مجلس واحد تأكيدًا، وتشديدًا، فيتلفّظ باللفظين، فينقل عنه، وهذا لا إشكال فيه، فما قاله النووي قريب، لا بعيد. واللَّه تعالى أعلم.