للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مثل هذا أن يقال: لعنه اللَّه تعرّض لقطع اليد في حبل رَثٍّ، أو في كُبَّة شعر، وكلّما كان من هذا أحقر كان أبلغ.

فالصحيح هنا أنه أراد به العقال الذي يُعقَل به البعير، ولم يُرد عينه، وإنما أراد قدر قيمته، والدليل على هذا أن المراد به المبالغة، ولهذا قال في الرواية الأخرى: "عَنَاقًا"، وفي بعضها: "لو منعوني جَدْيًا أذوط". والأذوط صغير الفكّ والذقن. هذا آخر كلام صاحب "التحرير".

قال النوويّ: وهذا الذي اختاره هو الصحيح الذي لا ينبغي غيره.

وعلى هذا اختلفوا في المراد بـ"منعوني عِقالاً"، فقيل: قدر قيمته، وهو ظاهر متصوَّرٌ في زكاة الذهب والفضّة، والمعشرات، والمعدن، والركاز، وزكاة الفطر، وفي المواشي أيضًا في بعض أحوالها، كما إذا وجب عليه سنّ، فلم يكن عنده، ونزل إلى سنّ دونها، واختار أن يردّ عشرين درهما، فمعنه من العشرين قيمة عقال، وكما إذا كانت غنمه سِخالاً، وفيها سَخْلة، فمنعها، وهي تساري عقالاً، ونظائر ما ذكرته كثيرة معروفة في كتب الفقه، وإنما ذكرت هذه الصورة تنبيهًا بها على غيرها، وعلى أنه متصوّرٌ ليس بصعب، فإني رأيت كثيرين ممن لم يعان الفقه يستصعب تصوّره حتى حمله بعضهم -وربما وافقه بعض المتقدّمين- على أن ذلك للمبالغة، وليس متصوّرًا، وهذا غلطٌ قبيحٌ، وجهلٌ صريحٌ.

وحكى الخطّابيّ عن بعض العلماء أن معناه: منعوني زكاة العقال، إذا كان من عروض التجارة. وهذا تأويل صحيحٌ أيضًا. ويجوز أن يراد منعوني عقالاً، أي منعوني الحبل نفسه على مذهب من يُجوّز القيمة، ويتصوّر على مذهب الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- على أحد أقواله، فإن للشافعيّ في الواجب في عروض التجارة ثلاثةَ أقوال: أحدها: يتعيّن أن يأخذ منها عرضًا، حبلاً أو غيره، كما يأخذ من الماشية من جنسها.

والثاني: أنه لا يأخذ إلا دراهم، أو دنانير، ربع عشر قيمته، كالذهب والفضّة.

والثالث: يتخير بين العرض والنقد. واللَّه أعلم.

وحكى الخطابيّ عن بعض أهل العلم أن العقال يؤخذ مع الفريضة، لأن على صاحبها تسليمها، وإنما يقع قبضها التامّ برباطها.

قال الخطّابيّ: قال ابن عائشة: كان من عادة الْمُصَدِّق إذا أخذ الصدقة أن يَعْمِد إلى قَرَن -وهو بفتح القاف، والراء- وهو حبلٌ، فيقرن به بين بعيرين، أي يشدّه في أعناقهما لئلا تشرد الإبل. وقال أبو عبيد: وقد بعث النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - محمد بن مسلمة على الصدقة، فكان يأخذ مع كلّ فريضتين عقالهما، وقرانهما. وكان عمر - رضي اللَّه عنه - أيضًا يأخذ مع كلّ