للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصحيح. (ومنها): أنه مسلسل بالبصريين غير شيخه، وشيخ شيخه، فبغداديان.

(ومنها): أن فيه رواية صحابي، عن صحابي. واللَّه تعالى أعلم.

شرح الحديث

عن حمّاد بن سلمة -رحمه اللَّه تعالى- أنه (قال: أَخَذْتُ هَذَا الْكِتَابَ، مِنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبدِ اللَّهِ بْنِ أَنسِ ابنِ مَالِكٍ) الأنصاريّ البصريّ. قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: صرّح إسحاق بن راهويه في "مسنده" بأن حمادًا سمعه من ثمامة، وأقرأه الكتاب، فانتفى تعليل من أعلّة بكونه مكاتبة انتهى (عَنْ) جدّه (أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) - رضي اللَّه عنه - (أَن أَبَا بَكْرِ) - رضي اللَّه عنه - (كَتَبَ لَهُمْ) أي لأنس ومن معه. وفي رواية البخاريّ، من طريق ثمامة بن عبد اللَّه بن أنس المذكورة، أن أنسًا حدّثه، أن أبا بكر - رضي اللَّه عنه - كتب له هذا الكتاب لما وجّهه إلى البحرين: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - على المسلمين … " الحديث (إِنَّ هَذِهِ) أي المعاني الذهنية الدّالة عليها النقوش اللفظيّة الآتية (فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ) أي نسخة فرائض، فحذف المضاف للعلم به، وفيه أن اسم الصدقة يقع على الزكاة، خلافًا لمن منع ذلك من الحنفيّة. قاله في "الفتح" (الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) قال في "الفتح": ظاهر في رفع الخبر إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأنه ليس موقوفًا على أبي بكر، وقد صرّح برفعه في رواية إسحاق الْمُقَدَّم ذكرها.

ومعنى "فَرَضَ" هنا: أوجب، أو شرع، يعني بأمر اللَّه تعالى، فالإيجاب من اللَّه تعالى في الحقيقة، وأضيف إليه - صلى اللَّه عليه وسلم - لأنه المبلّغ عنه، وقد فرض اللَّه تعالى طاعته على المكلفين، فلذا سمي أمره - صلى اللَّه عليه وسلم -، وتبليغه عن اللَّه تعالى فرضًا. وقيل: معناه قدّر؛ لأن إيجابها ثابت في الكتاب، ففرض النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لها بيانه للمجمل من الكتاب بتقدير الأنواع، والأجناس، وقد جعله اللَّه مبيّنا للكتاب، حيث قال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} الآية [النحل: ٤٤].

وأصل الفرض قطع الشيء الصَّلْب، ثم استعمل في التقدير؛ لكونه مقتطعًا من الشيء الذي يقدّر منه. ويرد بمعنى البيان؛ كقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} الآية [التحريم: ٢]. وبمعنى الإنزال، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} الآية [القصص: ٨٥]. وبمعنى الْحِلِّ، كقوله تعالى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} الآية [الأحزاب: ٣٨]. وكلّ ذلك لا يخرُج من معنى التقدير. ووقع استعمال الفرض بمعنى اللزوم، حتى كاد يغلب عليه، وهو لا يخرُج أيضًا من معنى التقدير.

وقد قال الراغب: كلّ شيء ورَدَ في القرآن فَرَضَ على فلان، فهو بمعنى الإلزام،