وكلّ شيء فَرَضَ له، فهو بمعنى لم يحرّمه عليه، وذكر أن معنى قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} الآية [القصص: ٨٥]: أي أوجب عليك العمل به.
قال الحافظ: وهذا يؤيّد قول الجمهور: إن الفرض مرادف للوجوب، وتفريق الحنفية بين الفرض والواجب باعتبار ما يَثبُتان به لا مشاحّةَ فيه، وإنما النزاع في حمل ما ورد من الأحاديث الصحيحة على ذلك؛ لأن اللفظ السابق لا يُحمل على الاصطلاح الحادث. انتهى (١).
(عَلَى الْمُسْلِمِينَ) استُدلّ به على أن الكافر ليس مخاطبًا بذلك. وتعُقّب بأن المراد بذلك كونها لا تصحّ منه، لا أنه لا يُعاقب عليها، وهو محلّ النزاع. وقد تقدّم في أوائل "كتاب الزكاة" تحقيق الخلاف، وأن الراجح كونه مكلّفًا بالفروع كالأصول. واللَّه تعالى أعلم.
(الَّتِي) هكذا للمصنّف، وأبي داود بدون واو العطف، فيكون بدلاً من الموصول السابق. ووقع في رواية الشيخين:"والتي" بالعطف (أَمَرَ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- بَها رَسُولَهُ) وفي نسخة: "رسول اللَّه (- صلى اللَّه عليه وسلم -") أي بتلك الصدقة، أي أمره بتبليغها، أو بتقدير أنواعها وأجناسها، والقدرِ الْمُخرَج منها (فَمَنْ سُئِلَهَا) بالبناء للمجهول في الموضعين، أي من سُئل الزكاة المفروضة (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) بيان لـ"من"(عَلَى وَجْهِهَا) حال من المفعول الثاني في "سُئلها"، أي حال كونها على حسب ما بيّن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -في هذا الحديث. وفيه دلالة على دفع الأموال الظاهرة إلى الإمام (فَليُعْطِ، وَمَن سُئِلَ فَوْقَ ذَلِكَ، فَلَا يُعْطِ) أي من سُئل زائدًا على ذلك في سنْ، أو عدد، فله المنع. ونقل الرافعيّ الاتفاق على ترجيحه. وقيل: معناه: فليمنع الساعي، ولْيَتَوَلَّ هو إخراجه بنفسه، أو بساع آخر، فإن الساعي الذي طلب الزيادة يكون بذلك متعدّيًا، وشرطه أن يكون أمينًا، لكن محلّ هذا إذا طلب الزيادة بغير تأويل، كمن طلب شاتين عن شاة، فأما من طلب زيادة بتأويل، بأن كان مالكيّا يرى أخذ الكبيرة عن الصغار، فإنه الواجب بلا خلاف، ولا يعطي الزائد؛ لأنه لا يفسُق، ولا يعصي، والحالة هذه. قاله النوويّ، والحافظ -رحمهما اللَّه تعالى-.
وهذا الكلام فيه إشارة إلى الجمع بين هذا الحديث، وحديث جرير الآتي في -١٤/ ٢٤٦٠ - "أَرْضُوا مُصدّقيكم" بأن حديث جرير محمول على أن للعامل تأويلاً في طلب الزائد على الواجب.
قال القاري -رحمه اللَّه تعالى-: هذا -أي حديث أبي بكر - رضي اللَّه عنه - يدلّ على أن