(وَفِي الرِّقَةِ) بكسر الراء، وتخفيف القاف: هي الفضّة الخالصة، مضروبة كانت، أو غير مضروبة. قيل: أصلها الورق، فحذفت الواو، وعُوّضت الهاء. وقيل: يطلق على الذهب والفضّة، بخلاف الورق، وعلى هذا قيل: إن الأصل في زكاة النقدين نصاب الفضّة، فإذا بلغ الذهب ما قيمته مائتا درهم فضة خالصة، وجبت فيه الزكاة، وهي ربع العشر. وهذا قول الزهريّ، وخالفه الجمهور، وسيأتي البحث عن ذلك في باب زكاة الورق-١٨/ ٢٤٧٣ - إن شاء اللَّه تعالى.
(رُبْعُ الْعُشْرِ) بضم الأول، وسكون الثاني، وضمّهما فيهما (فَإِنْ لَمْ تَكُن) أي الرقة التي عنده (إِلاَّ تِسْعِينَ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ، فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ) يعني أنه إذا كانت الفضّة ناقصة عن مائتي درهم، فلا يجب عليه فيها شيء، إجماعًا.
قال البغوي -رحمه اللَّه تعالى- في "شرح السنّة": هذا يوهم أنها إذا زادت عليها -أي على تسعين ومائة- شيئًا قبل أن يتمّ مائتين كانت فيه الصدقة، وليس الأمر كذلك؛ لأن نصابها مائتان، وإنما ذكر تسعين لأنه آخر فصل، -أي عَقْدٍ- من فصول المائة، والحسابُ إذا جاوز المائة كان تركيبه بالفصول، كالعشرات، والمئين، والألوف، فذَكَرَ التسعين ليدلّ على أن لا صدقة فيما نقص عن كمال المائتين، بدليل قوله - صلي اللَّه عليه وسلم -: "ليس فيما دون خمس أواق من الورِقِ صدقة" انتهى كلام البغويّ (١).
وقال الطيبيّ: أراد أن دلالة هذا الحديث على أقلّ ما نقص من النصاب إنما يتمّ بحديث: "ليس فيما دون خمس أواق صدقة". ويُسمّى هذا في "الأصول" النصَّ المقيّد بمفارقة نصّ آخر، وينصره الحديث المرويّ عن عليّ - رضي اللَّه عنه -: "وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين، ففيها خمسة دراهم" انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حديث عليّ - رضي اللَّه عنه - المذكور أخرجه أحمد، وأبو داود بإسناد حسن، وسيأتي للمصنّف برقم ٢٤٧٧ و ٢٤٧٨ مختصرًا. واللَّه تعالى أعلم.
(إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا") أي يريد مالكها أن يُعطي على سبيل التبرّع، فله ذلك، وهذا كقوله - صلي اللَّه عليه وسلم - في حديث ضمام بن ثعلبة - رضي اللَّه عنه -: "إلا أن تطوّع". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.