للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ربك، وَضِّئْ ربك، اسق ربك، وليقل: سيدي، مولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي، أمتي، وليقل: فتاي، وفتاتي، وغلامي". هذا لفظ البخاريّ.

ولفظ مسلم: "لا يقل أحدكم: اسق ربك، أطعم ربك، وضئ ربك، ولا يقل أحدكم: ربي، وليقل: سيدي، مولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي، أمتي، وليقل: فتاي، فتاتي، غلامي".

[قلت]: أجاب عنه العلماء، فقال ابن الأثير: إن البهائم غير متعبّدة، ولا مخاطبة، فهي بمنزلة الأموال التي يجوز إضافة مالكيها إليها، وجعلهم أربابًا لها. قال: فأما قوله تعالى: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: ٤٢]، فإنه خاطبهم على المتعارف عندهم، وعلى ما كانوا يسمونهم به، ومثله قول موسى - عليه السلام - للسامريّ: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ} [طه: ٩٧]، أي الذي اتخذته إلهًا انتهى كلام ابن الأثير بتصرّف (١).

وقال في "الفتح" عند شرح حديث النهي المذكور: ما نصّه: والسبب في النهي أن حقيقة الربوبيّة للَّه تعالى؛ لأن الربّ هو المالك، والقائم بالشيء، فلا توجد حقيقة ذلك إلا للَّه تعالى.

قال الخطّابيّ: سبب المنع أن الإنسان مربوب متعبّد بإخلاص التوحيد للَّه، وترك الإشراك معه، فكره له المضاهاة في الاسم؛ لئلا يدخل في معنى الشرك، ولا فرق في ذلك بين الحرّ والعبد، فأما ما لا تعبّد عليه من سائر الحيوانات، والجمادات، فلا يكره إطلاق ذلك عليه عند الإضافة، كقوله: "ربّ الدار"، و"رب الثوب".

وقال ابن بطّال: لا يجوز أن يقال لأحد غير اللَّه ربّ، كما لا يجوز أن يقال له إله. انتهى.

والذي يختصّ باللَّه تعالى إطلاق الربّ بلا إضافة، وأما مع الإضافة، فيجوز إطلاقه، كما في قوله تعالى حكايته عن يوسف - عليه السلام -: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: ٤٢]، وقوله: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: ٥٠]، وقوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في أشراط الساعة: "أن تلد الأمة ربها"، فدلّ على أن النهي في ذلك محمول على الإطلاق.

ويحتمل أن يكون النهي للتنزيه، وما ورد من ذلك فلبيان الجواز. وقيل: هو مخصوص بغير النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولا يرد ما في القرآن، أو المراد النهي عن الإكثار من ذلك، واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة، وليس المراد النهي عن ذكرها في الجملة انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أقرب الأجوبة عندي حمل النهي على التنزيه. واللَّه


(١) - "النهاية" ج ٢ ص ١٧٩.
(٢) - "فتح" ج٥ ص ٤٨٧ - ٤٨٨. "كتاب العتق" رقم ٢٥٥٢.