للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"صحيحيهما"، فإن هذا هو الفساد العريض. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثانية): اختلف أهل العلم في وجوب حقّ في المال سوى الزكاة:

قال المازريّ -رحمه اللَّه تعالى-: يحتمل أن يكون هذا الحقّ في موضع تتعيّن فيه المواساة. وقال القاضي عياض -رحمه اللَّه تعالى-: هذه الألفاظ صريحة في أن هذا الحقّ غير الزكاة. قال: ولعلّ هذا كان قبل وجوب الزكاة.

وقد اختدف السلف في معنى قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: ٢٥]. فقال الجمهور: المراد به الزكاة، وأنه ليس في المال حقّ سوى الزكاة. وأما ما جاء غير ذلك فعلى وجه الندب، ومكارم الأخلاق، ولأن الآية إخبار عن وصف قوم أُثني عليهم بخصال كريمة، فلا يقتضي الوجوب، كما لا يقتضيه قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: ١٧].

وقال بعضهم: هي منسوخة بالزكاة، وإن كان لفظه لفظ خبر، فمعناه أمر.

قال: وذهب جماعة، منهم: الشعبيّ، والحسن، وطاوسٌ، وعطاءٌ، ومسروقٌ، وغيرهم إلى أنها محكمة، وأن في المال حقّا سوى الزكاة، من فكّ الأسير، وإطعام المضطرّ، والمواساة في العسرة، وصلة القرابة انتهى (١).

وقال الحافظ وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-: إنه مذهب أبي ذرّ، وغير واحد من التابعين (٢).

وقال أبو محمد ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى-: من قال: إنه لا حقّ في المال غير الزكاة، فقد قال الباطل، ولا برهان على صحّة قوله، لا من نصّ، ولا إجماع، وكلّ ما أوجبه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في الأموال فهو واجب. ونسأل من قال هذا، هل تجب في الأموال كفارة الظهار، والأيمان، وديون الناس، أم لا؟ فمن قولهم: نعم، وهذا تناقض منهم. وأما إعارة الدلو، وإطراق الفحل، فداخل تحت قول اللَّه تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: ٧]. انتهى (٣).

وهذا المذهب هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه اللَّه تعالى-، فإنه رجّح القول بأن في المال حقًّا سوى الزكاة، وذلك مثل صلة الرحم من النفقة الواجبة، وحمل العقل عن المعقول عنه، ومثل إطعام الجائع، وكسوة العاري، وكالإعطاء في النوائب، مثل


(١) - "شرح مسلم" للنوويّ ج ٧ ص ٧٣ - ٧٤.
(٢) - "شرح التثريب" ج ٤ ص ١١.
(٣) - "المحلّى" ج ٦ ص ٥٠.