شيء". والصحيح أنه موقوف، لكن يقويه ما قبله. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية): احتج أكثر أهل العلم بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "في كلّ إبل سائمة"، وقوله: "وفي سائمة الغنم" على اشتراط السوم في وجوب الزكاة، منهم:
الأئمّة: أبو حنيفة، والشافعيّ، وأحمد -رحمهم اللَّه تعالى-، قالوا: يشترط في الماشية التي تزكَّى أن تكون سائمة، حتى لو عُلفت نصف الحول لا تجب فيها الزكاة، قال الشافعيّ: لو علفها زمنًا لا تعيش مثله بدون علف، أو تعيش لكن يلحقها الضرر البيّن، أو قصد ذلك الزمن قطع السوم لا زكاة فيها.
وذهب مالك، والليث، وربيعة إلى أن الزكاة تجب في الماشية مطلقًا، معلوفة، أم لا، عاملة، أو لا، متى بلغت النصاب، واستدلوا بالأحاديث المطلقة، كقوله في الحديث المتقدّم: "ليس فيما دون خمس ذود صدقة"، وفي الحديث الآتي في الباب التالي، أنه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أمر معاذًا لما وجهه إلى اليمن أن يأخذ من البقر، من كلّ ثلاثين تبيعًا، أو تبيعةً، ومن كلّ أربعين مُسنّة".
وأجابوا عن حديث الباب بأن التقييد بالسائمة فيه خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، على حدّ قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} الآية [النساء: ٢٣]، فإن الربيبة تحرم، ولو لم تكن في الحجر.
وقال الباجيّ: يحتمل أن يكون ذكر السائمة لأنها كانت عامّة الغنم وقتئذ، ولا تكاد أن تكون فيها غير سائمة، ولذا ذكر السائمة في الغنم، ولم يذكرها في الإبل والبقر (١).
ويحتمل أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - نصّ على السائمة ليكلّف المجتهد الاجتهاد في إلحاق المعلوفة بها، فيحصل له أجر المجتهدين انتهى.
وأجاب الجمهور عن هذا بأن الأصل في القيود في كلام الشارع اعتبارها، فلا يُترَك ظاهرها، والعمل بمفهومها إلا لدليل، ولا دليل يقتضي بعدم اعتبار القيد.
قال الحافظ ابن عبد البرّ: لا أعلم أحدًا قال بقول مالك، والليث من فقهاء الأمصار انتهى.
واختلف القائلون باشتراط السوم، فقال أبو حنيفة، وأحمد متى كانت سائمة أكثر الحول وجبت فيها الزكاة، ولا عبرة بعلفها أقلّ الزمن لأن اليسير منه لا يمكن الاحتراز عنه، إذ لا يوجد المرعى في كلّ السنّة. والصحيح عند الشافعيّة أنها إن علفت قدرًا تعيش بدونه وجبت الزكاة، وإن عُلفت قدرًا لا يبقى الحيوان بدونه لم تجب. قالوا:
(١) - هذا فيه نظر لا يخفى، فقد تقدّم أنه ذكر في الإبل أيضًا. فتبصّر.