للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأبعد الأقوال كلها قول من قال: كان هذا في الوقت الذي كان فيه التأديب بالمال، فألزم العبّاس بامتناعه من أداء الزكاة بأن يؤدّي ضعف ما وجب عليه؛ لعظمة قدره، وجلالته، كما في قوله تعالى في نساء النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} الآية [الأحزاب:٣٠]. وقد تقدّم بعضه في أول الكلام انتهى ما في "الفتح" (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أرجح الأقوال عندي قول من قال: إنه - صلى اللَّه عليه وسلم - ألزمه بتضعيف صدقته؛ ليكون أرفع لمنزلته، وأنبه لذكره، وأنفى للذّمّ عنه، ثم إنه - صلى اللَّه عليه وسلم - تحمّلها عنه؛ احترامًا له، ومبرّةً وإكراما، يؤيد ذلك رواية مسلم: "فهي عليّ، ومثلها معها"، ثم قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "يا عُمر، أما شعرت أن عمّ الرجل صِنو أبيه"، فإن في هذه الجملة إشعارًا بما ذُكر، فإن كونه صنو أبيه يناسب تحمّل ما عليه. (٢).

[تنبيه]: معنى قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "عم الرجل صنو أبيه" أي يرجع مع أبيه إلى أصل واحد، فيتعين إكرامه، كما يتعيّن إكرام الأب، ومنه قوله تعالى: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} الآية [الرعد: ٤]. وأصله في النخلتين، والثلاث، والأربع، التي ترجع إلى أصل واحد، فكلّ واحدة منهنّ صِنْوٌ، والاثنان صِنْوَانِ، والثلاث صِنْوَانٌ برفع النون، فالصنوان جمع صنو، كقنو وقنوان، وُيجمع على أصناء، كأسماء.

وعن ابن الأعرابيّ: أن الصنو المثل، أي مثل أبيه، وذكر ذلك - صلى اللَّه عليه وسلم - لعمر تعظيمًا لحقّ العمّ، وهو مقتضٍ، ومناسبٌ لأن يُحمَل قوله: "هي عليّ" أنه تحمّلها عنه؛ احترامًا، ومبرّةً، وإكرامًا حتى لا يتعرّض له بطلبها أحدٌ إذا تحمّلها عنه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أفاده ابن الملقّن (٣). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - هذا متّفق عليه.

(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:

أخرجه هنا ١٥/ ٢٤٦٤ و ٢٤٦٥ - وفي "الكبرى" ١٦/ ٢٢٤٣ و ٢٢٤٤.

وأخرجه (خ) في "الزكاة" ١٤٦٨ (م) في "الزكاة" ٩٨٣ (د) في "الزكاة" ١٦٣٣ (ت) في "المناقب" ٣٧٦١ (أحمد) في "باقي مسند المكثرين" ٨٠٨٥. واللَّه تعالى أعلم.


(١) - "فتح" ج ٤ ص ٩٥ - ٩٦.
(٢) - "إحكام الأحكام" ج ٣ ص ٣٠٦.
(٣) - "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" ج ٥ ص ٩٣.