الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} الآية [المائدة: ٩٠]، قالوا: والخرص من القمار والميسر، فيكون تحريمه ناسخًا لهذه الآثار.
وهذا من أبطل الباطل، فإن الفرق بين القمار والميسر، والخرص المشروع كالفرق بين البيع والربا، والميتة والمذكّى، وقد نزّه اللَّه رسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأصحابه عن تعاطي القمار، وعن شرعه، وإدخاله في الدين، ويا للَّه العجب أكان المسلمون يُقامرون إلى زمن خيبر، ثم استمرّوا على ذلك إلى عهد الخلفاء الراشدين، ثم انقضى عصر الصحابة، وعصر التابعين على القمار، ولا يعرفون أنّ الخرص قمار حتى بيّنه بعض فقهاء الكوفة، هذا واللَّه الباطل حقًّا. انتهى كلام ابن القيم.
وقد ذكر صاحب "المرعاة" ما تعلّق به الحنفيّة في ردّ أدلّة الخرص كلها وناقشها كلّها، فأجاد، وأفاد، فراجعه في جـ ٦ ص ١٥١ - ١٥٤. تستفد. وباللَّه تعالى التوفيق.
[تنبيهان]:
(الأول): اختلف القائلون بالْخَرْص، هل يختصّ بالنخل، أو يُلحق به العنب، أو يعمّ كلّ ما ينتفع به رطبًا وجافًّا؟ وبالأول قال شُريح القاضي، وبعض أهل الظاهر. وبالثاني قال الجمهور. وإلى الثالث نحا البخاريّ.
قال الجامع: مذهب الجمهور عندي أرجح، لصحة الأدلّة به. واللَّه تعالى أعلم.
وهل يمضي قول الخارص، أو يرجع إلى ما آل إليه الحال بعد الجفاف؟ الأول قول مالك، وطائفة. والثاني قول الشافعيّ، ومن تبعه.
قال الجامع: قول مالك عندي أظهر. واللَّه تعالى أعلم.
وهل يكفي خارصٌ واحد عارف ثقةٌ، أو لابدّ من اثنين؟ وهما قولان للشافعيّ، والجمهور على الأول.
قال الجامع: قول الجمهور هو الموافق ظاهر أحاديث الخرص. واللَّه تعالى أعلم.
واختُلف أيضًا، هل هو اعتبار، أو تضمينٌ؟ وهما قولان للشافعيّ، أظهرهما الثاني.
وفائدته جواز التصرّف في جميع الثمرة، ولو أتلف المالك الثمرة بعد الخرص أُخذت منه الزكاة بحساب ما خُرص. (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح، ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
…
(١) - راجع "الفتح" ج ٤ ص ١١٢.