للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عليّ إمام الظاهرية، لكن وافق داود الجمهور إذا كانت العين قائمة.

ومن حجة الجمهور قوله في حديث زيد بن خالد الجهنيّ - رضي اللَّه عنه - عند مسلم من طريق بُسْر بن سعيد، عن زيد بن خالد: "فاعرف عفاصها، ووكاءها، ثمّ كُلْها، فإن جاء صاحبها، فأدّها إليه"، وفي رواية له من طريق يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد: "ثم عرّفها سنةً، فإن لم تُعرَف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر، فأدّها إليه".

فإن ظاهر قوله: "فإن جاء صاحبها الخ" بعد قوله: "كُلْها" يقتضي وجوب ردّها بعد أكلها، فيُحملُ على ردّ البدل.

ويحتمل أن يكون في الكلام حذفٌ يدلّ عليه بقيّة الروايات، والتقدير: فاعرف عفاصها، ووكاءها، ثم كُلْها، إن لم يجىء صاحبها، فإن جاء صاحبها، فأدّها إليه.

وأصرح من ذلك رواية أبي داود من هذا الوجه بلفظ: "فإن جاء باغيها فأدّها إليه، وإلا فاعرف عفاصها، ووكاءها، ثم كُلْها، فإن جاء باغيها، فأدّها إليه". فأمره بأدائها إليه قبل الإذن في أكلها وبعده، وهي أقوى حجة للجمهور.

وروى أبو داود أيضًا من طريق عبد اللَّه بن يزيد مولى المنبعث، عن أبيه، عن زيد بن خالد في هذا الحديث: "فإن جاء صاحبها دفعتها إليه، وإلا عرفت وكاءها، وعفاصها، ثم اقبضها في مالك، فإن جاء صاحبها، فادفعها إليه".

وإذا تقرّر هذا أمكن حمل قول البخاريّ: "باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة، فهي لمن وجدها" أي في إباحة التصرّف فيها حينئذ، وأما أمر ضمانها بعد ذلك، فهو ساكت عنه. أي فيكون موافقًا للجمهور.

وقال النوويّ: إن جاء صاحبها قبل أن يتملّكها الملتقط أخذها بزوائدها المتّصلة، والمنفصلة، وأما بعد التملّك، فإن لم يجىء صاحبها فهي لمن وجدها، ولا مطالبة عليه في الآخرة، وإن جاء صاحبها، فإن كانت موجودة بعينها استحقّها بزوائدها المتّصلة، ومهما تلف منها لزم الملتقط غرامته للمالك، وهو قول الجمهور. وقال بعض السلف: لا يلزمه، وهو ظاهر اختيار البخاريّ. واللَّه أعلم انتهى ما في "الفتح" ببعض تصرّف (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما ذهب إليه الجمهور، من وجوب أداء بدلها لصاحبها، إن جاء بعد إنفاق الملتقط إياها على نفسه هو الحقّ؛ لظهور دليله، كما


(١) - "فتح" ج ٥ ص ٣٦٩ - ٣٧٠.