واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): استُدِلّ بهذا الحديث على أنه لا فرق في إتلاف البهيمة للزروع، وغيرها من الأموال بين أن يكون ذلك ليلًا أو نهارًا، وهو قول الحنفيّة، والظاهريّة.
وقال الجمهور: إنما يسقط الضمان إذا كان ذلك نهارًا، وأما بالليل، فإن عليه حفظها، فإذا أتلفت بتقصير منه وجب عليه ضمان ما أتلفت.
ودليل هذا التخصيص ما أخرجه الشافعيّ، وأبو داود، والنسائيّ (١)، وابن ماجه كلهم من رواية الأوزاعيّ، والنسائيُّ أيضًا، وابن ماجه من رواية عبد اللَّه بن عيسى، والنسائيُّ أيضًا من رواية محمد بن ميسرة، وإسماعيل بن أميّة، كلهم عن الزهريّ، عن حرام بن مُحَيِّصة الأنصاريّ، عن البراء بن عازب - رضي اللَّه عنهما -، قال: كانت له ناقةٌ ضارية، فدخلت حائطًا، فأفسدت فيه، فقضى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - "أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وأن على أهل المواشي ما أصابت ماشيتهم بالليل".
وأخرج ابن ماجه أيضًا من رواية الليث، عن الزهريّ، عن ابن محيصة: أن ناقة للبراء، ولم يسمّ حرامًا. وأخرج أبو داود من رواية معمر، عن الزهريّ، فزاد فيه رجلاً، قال: "عن حرام بن محيّصة، عن أبيه". وكذا أخرجه مالكٌ، والشافعيّ عنه، عن الزهريّ، عن حرام بن سَعْد بن محيّصة أن ناقة.
وأخرجه الشافعيّ في رواية المزنيّ، في "المختصر" عنه، عن سفيان، عن الزهريّ، فزاد مع حرام سعيدَ بنَ المسيّب، قالا: "إن ناقة للبراء". وفيه اختلاف آخر أخرجه البيهقيّ من رواية ابن جُريج، عن الزهريّ، عن أبي أمامة بن سهل، فاختُلِفَ فيه على الزهريّ على ألوان، والْمُسنَد منها طريق حرام، عن البراء.
وحرام- بمهملتين- اختُلِف، هل هو ابن محيصة نفسه، أو ابن سَعْد بن محيّصة.
قال ابن حزم: وهو مع ذلك مجهول، لم يرو عنه إلا الزهريّ، ولم يوثَّق.
قال الحافظ: قلت: قد وثّقه ابن سعد، وابن حبّان، لكن قال: إنه لم يسمع من البراء انتهى.
وعلى هذا فيحتمل أن يكون قول من قال فيه: "عن البراء" أي عن قصّة ناقة البراء، فتجتمع الروايات. ولا يمتنع أن يكون للزهريّ فيه ثلاثة أشياخ.
وقد قال ابن عبد البرّ: هذا الحديث، وإن كان مرسلاً، فهو مشهور، حدّث به
(١) - أي في "السنن الكبرى" "كتاب العادية" باب تضمين أهل الماشية ما أفسدت مواشيهم بالليل ٣/ ٤١١ رقم ٥٧٨٤.