وقال مالك: القائد، والسائق، والراكب، كلهم ضامنون لما أصابت الدّابّة إلا أن تَرْمَحَ الدابّة (١) من غير أن يفعل بها شيء ترمح له. وحكاه ابن عبد البرّ عن جمهور العلماء.
وقال الحنفيّة: إن الراكب، والقائد لا يضمنان ما نفحت الدابّة برجلها، أو ذنبها، إلا إن أوقفها في الطريق، واختلفوا في السائق، فقال القُدُوريّ، وآخرون: إنه ضامن لما أصابت بيدها، أو رجلها؛ لأن النفحة بمرأى عينه، فأمكنه الاحتراز عنها. وقال أكثرهم: لا يضمن النفحة أيضًا، وإن كان يراها؛ إذ ليس على رجلها ما يمنعها به، فلا يمكنه التحرّز عنه، بخلاف الْكَدْم؛ لإمكان كبحِهَا بلجامها. وصححه صاحب "الهداية". وكذا قال الحنابلة: إن الراكب لا يضمن ما تُتلفه البهيمة برجلها.
وحكى ابن حزم نفي الضمان من النفحة عن شُريح القاضي، والحسن البصريّ، وإبراهيم النخعيّ، ومحمد بن سيرين، وعطاء بن أبي رَبَاح، وعن الحَكَم، والشعبيّ: يضمن، لا يبطل دم المسلم.
وتمسّك من نَفَى الضمان من النفحة بعموم هذا الحديث، مع الرواية التي فيها:
"الرِّجْلُ جُبار". لكنه ضعيف لتفرّد سفيان بن حسين، عن الزهريّ، وهو ضعيف في الزهريّ، ولا سيّما مع مخالفته للحفاظ، فقد خالف أبا صالح، السمّان، وعبد الرحمن الأعرج، وابن سيرين، ومحمد بن زياد، وغيرهم، فإنهم لم يذكروا الرِّجْل.
وذكروا أيضًا من حيث المعنى أنه لا اطلاع له على رَمْحِها، ولا قدرة له على دفعه.
ومن أوجب الضمان قال: باب الإتلاف لا فرق فيه بين العمد وغيره، ومن هو مع البهيمة حاكم لها، فهي كالآلة بيده، ففعلها منسوب إليه، حَمَلَها عليه، أم لا، عَلِمَ به، أم لم يعلم.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما ذهب إليه الظاهرية أرجح؛ لظهور حديث الباب في الدلالة عليه.
وحاصله أن ما أتلفته البهيمة لا يُضمَن، سواء كان صاحبها معها، أم لا، إلا إذا كان الفعل منسوبًا إليه، بأن حملها على ذلك الفعل بضرب، أو نَخْسٍ، أو زَجْر، أو نحو ذلك، فأما إذا أتلفت شيئًا برأسها، أو بعَضِّها، أو ذنبها، أو نَفْحَتها بالرجل، أو ضربت بيدها في غير المشي، فليس من فعله، فلا ضمان عليه؛ لكونه جُبَارًا بنصّ الشارع.
(١) - قال في "المصباح": رَمَحَ ذو الحافر رَمْحًا، من باب نَفَعَ: ضرب برجله اهـ.