للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَنَرْعَى حِمَى الأَقْوَامِ غيرَ مُحَرَّمٍ … عَلَيْنَا وَلَا يُرْعَى حِمَانَا الَّذِي نَحْمِي (١)

وأصل الحمى عند العرب أن الرئيس منهم إذا نزل منزلًا مُخْصِبًا استعوى كلبًا على مكان عالٍ، فإلى حيث انتهى صوته حماه من كلّ جانب، فلا يَرعى فيه غيره، وَيرعى هو مع غيره فيما سواه. والحمى هو المكان الْمَحْمِيّ، وهو خلاف المباح، ومعناه أن يمنع من الإحياء من ذلك الموات؛ ليتوفّر فيه الكلأ، فترعاه مواشٍ مخصوصة، ويمنع غيرها. قاله في "الفتح" (٢).

(يُقَالُ لَهُ: سَلَبَةُ) أي يسمّى ذلك الوادي سَلَبَةَ -بفتح السين المهملة، واللام: هو واد لبني مُتْعان. قاله البكريّ في "معجم البلدان" (٣) (فَحَمَى لَهُ رَسولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ذَلِكَ الْوَادِيَ) أي جعله له - صلى اللَّه عليه وسلم - سَلَبَة حِمًى مختصًّا بأنعامه، لا يرعى فيه أنعام غيره من أهل بلده. وفيه جواز أن يحمي الإمام لبعض الناس بعض الأراضي، إذا كان فيه مصلحة.

(فَلَمَّا وَلِيَ) بفتح الواو، وكسر اللام، من باب عَلِمَ: أي تولّى الخلافة. ويحتمل أن يكون بضمّ الواو، وتشديد اللام، مبنيًّا للمفعول: أي جُعِل واليًا. فعلى الأول يكون قوله (عُمَرُ بْنُ الْخطَّابِ) - رضي اللَّه عنه - فاعلاً، وعلى الثاني نائب فاعل (كَتَبَ سُفْيَانُ بْنُ وَهْبٍ) هكذا في رواية عمرو بن الحارث عند المصنّف، وأبي داود "سفيان بن وهب".

ووقع في رواية عبد الرحمن بن الحارث المخزوميّ، وأسامة بن زيد الليثيّ، كلاهما عن عمرو بن شعيب "سفيان بن عبد اللَّه الثقفيّ" بدل "سفيان بن وهب"، والظاهر أنه الصواب.

فأما رواية عبد الرحمن، فساقها أبو داود في "سننه" عن أحمد بن عبدة الضبّيّ، أخبرنا المغيرة -ونسبه إلى عبد الرحمن بن الحارث المخزومّي- حدّثني أبي، عن عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أن شَبَابةَ، بطنٌ من فَهْم، فذكر نحوه، قال: "من كلّ عشر قِرَبٍ قِربة"، وقال: "سفيان بن عبد اللَّه الثقفيّ، قال: وكان يحمي لهم واديين، زاد: فأدَّوَا إليه ما كانوا يؤدّونه إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وحَمَى دهم وادييهم.

وأما رواية أسامة بن زيد، فأخرجها أبو داود مختصرًا، وأخرجها الطبرانيّ في "معجمه" مطوّلاً، من طريق أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه: أن بني شبابة، بطن من فَهْم، كانوا يؤدّون إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن نحل، كان لهم العشرَ، من كلّ عَشْرِ قِرَبٍ قربةً، وكان يحمي


(١) - "المصباح المنير" في مادّة حمى.
(٢) - "فتح" ج ٥ ص ٣٢٠.
(٣) - انظر "نيل الأوطار" ٤ ص ١٥٨.