واديين دهم، فدما كان عمر استعمل على ما هناك سفيان بن عبد اللَّه الثقفيّ، فأَبَوا أن يؤدُّوا إليه شيئًا، وقالوا: إنما كنّا نؤدّيه إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فكتب سفيان إلى عمر، فكتب إليه عمر، إنما النحل ذباب غيث، يسوقه اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- رزقًا إلى من يشاء، فإن أدّوا إليك ما كانوا يؤدّون إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فاحم لهم أوديتهم، وإلا فخَلّ بينه وبين الناس، فأدَّوا إليه ما كانوا يؤدُّون إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وحمى لهم أوديتهم. انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أن سفيان بن عبد اللَّه هو الصواب؛ لأمرين:
(أحدهما): اتفاق عبد الرحمن بن الحارث، وأسامة بن زيد عليه.
(الثاني): أن سفيان بن عبد اللَّه هو المعروف بأنه كان عامل عمر بن الخطّاب - رضي اللَّه عنهما - على الطائف، وهو صحابيّ معدود في أهل الطائف، ولاّه عمر على الطائف، لَمّا عزل عثمان بن أبي العاص عنها، ونقله إلى البحرين. انظر ترجمته في "الاستيعاب" جـ٤ ص ٢١٣. و"الإصابة" جـ٤ ص ٢٠٨ - ٢٠٩.
وأما سفيان بن وهب الخولانيّ، فهو أيضًا صحابيّ يُعدّ في أهل مصر، وولي إمرة إفريقية زمن عبد العزيز بن مروان، ومات سنة (٨٢) ولم يعدّه أحدٌ فيمن ولاّه عمر - رضي اللَّه عنهما -، انظر ترجمته في "الإصابة" جـ ٤ ص ٢١٤. و"الاستيعاب" في هامشه.
وعمرو بن الحارث، وإن كان مقدّما في الحفظ على المغيرة، وأسامة، إلا أن اتفاقهما يقوّي روايتهما، ويؤيّد ذلك الأمر الثاني الذي ذكرته آنفًا.
والحاصل أن سفيان بن عبد اللَّه هو الصواب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
(إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) - رضي اللَّه عنه - (يَسْاَلُهُ) عن أخذ عشور هلال (فَكَتَبَ عُمَرُ) - رضي اللَّه عنه - (إِنْ أَدَّى إِلَيْكَ) هكذا في النسخة "الهنديّة"، و"الكبرى""إليك"، ووقع في النسختين المطبوعتين:"إليّ" بياء المتكلّم، والظاهر أنه تصحيف (مَا كَانَ يُؤَدِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، مِنْ عُشْرِ نَحْلِهِ) أي من نحل ذلك الوادي (فَاحْمِ لَهُ سَلَبَةَ ذَلِكَ) اسم الإشارة بدل من سلبة، وإنما ذكره باعتبار المكان (وَإِلاَّ فَإنَّمَا هُوَ ذُبَابُ غَيْثٍ) أي وإن لم يؤدّ إليك ما كان يؤدّيه إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فلا تحم له ذلك الوادي، ويكون عسله مباحًا لمن شاء.
والمراد بالذباب النحل، وأضافه إلى الغيث الذي هو المطر؛ لأن النحل يَرْعَى الأزهار، والأعشاب التي تنشأ عن المطر. وسمَّى النحل ذبابًا؛ لأنه يقع على الأزهار كما يقع الذباب على الأشياء الدَّسِمَة، والحلواء (يَأْكُلُهُ مَنْ شَاءَ) يعني العسل، فالضمير المنصوب راجع إلى النحل على حذف مضاف، أي يأكل عسله. وفيه دليلٌ على أن العسل الذي يوجد في الجبل مباحٌ، فمن سبق إليه يكون أحقّ به من غيره.