(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في أنّ إخراج زكاة الفطر عن الأنثى على من هو؟:
ذهب أبو حنيفة، وسفيان الثوريّ، وابن المنذر، وداود، وابن حزم، وابن الأشرس من المالكيّة إلى أن على المرأة إخراجَ زكاة الفطر من مال نفسها، سواء كانت متزوّجة، أم غير متزوّجة؛ عملاً بظاهر النصّ.
وذهب مالك، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، والليث بن سعد إلى أن المتزوّجة تجب فطرتها على زوجها، وفي معناها الرجعيّة، والبائن، إن كانت حاملاً، دون ما إذا كانت حائلًا، فلو نشزت وقت الوجوب سقطت فطرتها عن الزوج. وقال أبو الخطّاب الحنبليّ: لا تسقط. فلو كان الزوج معسرًا، فالأصحّ في مذهب الشافعيّ أنه إن كانت الزوجة أمة وجبت فطرتها على سيّدها، وإن كانت حرّة لم يجب عليها شيء، وهو الذي نصّ عليه الشافعيّ. وفرّقوا بينهما بكمال تسليم الحرّة نفسها، بخلاف الأمة. وأوجبت الحنابلة على الحرّة فطرة نفسها في هذه الصورة.
وتمسّك هؤلاء الذين أوجبوها على الزوج بالقياس على النفقة، واستأنسوا بما رُوي عن ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - قال:"أمر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بزكاة الفطر عن الصغير" والكبير، والحرّ، والعبد، ممن تمونون". روه الدارقطنيّ، والبيهقيّ، وقال: إسناده غير قويّ. ورواه البيهقيّ أيضًا من رواية جعفر بن محمد، عن أبيه، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، مرسلاً، وفي رواية عن عليّ - رضي اللَّه عنه -، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، مرسلاً أيضًا. قال النوويّ في "شرح المهذّب": الحاصل أن هذه اللفظة: "ممن تمونون" ليست بثابتة انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما ذهب إليه الأولون من أن إخراج زكاة الفطر على المرأة في مالها، لا على الزوج، هو الصواب؛ لأن الوجوب عليها بنصّ الحديث، فلا يجب الإخراج على غيرها، وهو الزوج، وحجة من أوجب على الزوج هو القياس على النفقة، والقياس في مقابلة النصّ غير صحيح، ومن حجتهم أيضًا الحديث المذكور، وقد عرفت أنه لا يثبت، فلا يصلح للاحتجاج به. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح، ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".